للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

وَلَمَّا كَانَ قَصْدُ الشَّارِعِ ضَبْطَ الْخَلْقِ إِلَى الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ١ وَكَانَتِ الْعَوَائِدُ قَدْ جَرَتْ بِهَا سُنَّةُ اللَّهِ أَكْثَرِيَّةً لَا عَامَّةً، وَكَانَتِ الشَّرِيعَةُ مَوْضُوعَةً عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْوَضْعِ؛ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْمُلْتَفَتِ إِلَيْهِ إِجْرَاءُ الْقَوَاعِدِ عَلَى الْعُمُومِ الْعَادِيِّ، لَا الْعُمُومِ الْكُلِّيِّ التَّامِّ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ عَنْهُ جُزْئِيٌّ مَا.

أَمَّا كَوْنُ الشَّرِيعَةِ عَلَى ذَلِكَ الْوَضْعِ؛ فَظَاهِرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَضْعَ التَّكَالِيفِ عَامٌّ؟ وَجَعَلَ عَلَى ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ، وَهُوَ مَظِنَّةٌ لِوُجُودِ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَكُونُ عِنْدَهُ فِي الْغَالِبِ لَا عَلَى الْعُمُومِ؛ إِذْ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا عَلَى التَّمَامِ؛ لِوُجُودِ مَنْ يَتِمُّ عَقْلُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَمَنْ يَنْقُصُ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا، إِلَّا أَنَّ الْغَالِبَ الِاقْتِرَانُ.

وَكَذَلِكَ نَاطَ الشَّارِعُ الْفِطْرَ وَالْقَصْرَ بِالسَّفَرِ لِعِلَّةِ الْمَشَقَّةِ٢، وَإِنْ كَانَتِ الْمَشَقَّةُ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِهَا وَقَدْ تُفْقَدُ مَعَهَا٣، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلَمْ يَعْتَبِرِ الشَّارِعُ تِلْكَ النَّوَادِرَ، بَلْ أَجْرَى الْقَاعِدَةَ مَجْرَاهَا، وَمِثْلُهُ حَدُّ الْغِنَى بِالنِّصَابِ، وَتَوْجِيهُ الْأَحْكَامِ


١ لأنه لا يتأتى ذلك من الجزئيات لاستحالة حصرها؛ فلا بد في التشريع العام من قواعد عامة. "د".
أما "ف"؛ فقال: "أي: برجوعهم إليها أو إلى بمعنى الباء".
قلت: انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" "٤/ ١٣٣ و٣٤/ ٢٠٦-٢٠٧"، و"البحر المحيط" "٦/ ٩٢" للزركشي.
٢ جعل المشقة علة نظرًا إلى أنها المترتب عليها الترخيص في الأصل، ولكن لما كانت غير منضبطة لاختلافها بحسب الأشخاص والأحوال؛ نيط الترخيص بمظنتها، وهو السفر؛ فهو العلة، أي: الوصف الظاهر المنضبط، وهذا هو المشهور عند الأصوليين. "ف".
٣ الأنسب تذكير الضمير لرجوعه إلى السفر. "ف".

<<  <  ج: ص:  >  >>