للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا لَا يَتَأَتَّى كَيْلُهُ١ لِقِلَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ كَالتَّافِهِ مِنِ الْبُرِّ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّلْنَاهُ فِي النَّقْدَيْنِ بِالثَّمَنِيَّةِ لَا يَنْتَقِضُ بِمَا لَا يَكُونُ ثَمَنًا لِقِلَّتِهِ، أَوْ عَلَّلْنَاهُ فِي الطَّعَامِ بِالِاقْتِيَاتِ؛ فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ اقْتِيَاتٌ؛ كَالْحَبَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا اعْتَرَضَتْ عِلَّةُ الْقُوتِ بِمَا يُقْتَاتُ فِي النَّادِرِ؛ كَاللَّوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْبُقُولِ، وَشِبْهِهَا، بَلِ الِاقْتِيَاتُ إِنَّمَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ مِنْهُ مَا كَانَ مُعْتَادًا مُقِيمًا لِلصُّلْبِ عَلَى الدَّوَامِ وَعَلَى الْعُمُومِ٢، وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهُ في جميع الأقطار٣.


= يرجع إليه في تقويم الأموال وحاجة الناس إلى أصل ترد إليه القيم حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يكون إلا بما يستمر على حالة واحدة حتى ترتفع المنازعات وتنقطع الخصومات بالرجوع إليه، ولو أبيح دراهم بدراهم متخالفة في وصف ككون إحداهما صحيحة والأخرى مكسرة أو صغيرة وكبيرة وهكذا؛ لصارت الدراهم متجرًا وجر إلى ربا النسيئة فيها ولا بد, والأثمان لا تقصد لأعيانها، بل ليتوصل بها إلى السلع، فإذا صارت هي سلعًا تقصد لأعيانها فسدت مصالح الناس، وهذا أمر معقول يختص بالنقدين، لا يتعداه إلى كل موزون كما يقول أبو حنيفة، وبالجملة؛ فقد منع ربا الفضل في النقدين لأنه مفوت لمصلحة انضباط القيم ونقض لأساس التعامل؛ ولأنه ذريعة إلى ربا النسيئة، ومنع في الطعام سدًّا لهذه الذريعة في الأقوات التي تشتد حاجة الناس إليها ولتفاضل في النقدين والطعام حرام ووسيلة للحرام. "د".
قلت: انظر في علة الربا: "المغني" "٤/ ١٢٥, مع الشرح الكبير"، و"إعلام الموقعين" "٢/ ١٣٧"، و" الفروع" "٥/ ١٤٨", و"المبسوط" "١٢/ ١١٣"، و"عمدة القاري" "١١/ ٢٥٣"، و"المجموع" "٩/ ٤٤٥"، و"حاشية الخرشي" "٣/ ٤١٢"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "٢٩/ ٤٧٣"، و"الربا والمعاملات المصرفية" "ص٩٤ وما بعدها".
١ الكيل والثمنية والقوت ليست علة بمعنى الحكمة كالمشقة في السفر، وإنما هي الأوصاف المنضبطة التي نيط بها الحكم وجعلت علامة على وجود الحكمة، فإذن الذي يقال: إنه متى وجد الكيل أو الثمنية أو القوت حرم التفاضل، سواء أوجدت الحكمة وهي سد الذريعة وحفظ ما تشتد إليه حاجة الناس في الأقوات والأثمان، أم لم توجد، ولا يقال: وجد الكيل أم لم يوجد، كما لا يقال: وجد السفر أم لم يوجد؛ لأن الوصف الذي نيط به الحكم لا بد منه؛ فتأمل. "د".
٢ بحيث لا تفسد البنية بالاقتصار عليه. "د".
٣ كأنه يقول أيضًا: إنه لا يلزم أن تكون العادة عادة في جميع الأقطار، وهذا يرجع إلى تقييد أصل المسألة، وأن العموم العادي الذي يقول: إنه مبنى الأحكام الشرعية لا يلزم اتحاده في جميع الأقطار؛ إلا أن ذلك إن صح؛ ففي مثل الاقتيات والثمنية اللذين يختلفان في بعض الأقطار، بحيث يكون الثمن فيها غير الذهب والفضة، وبحيث يكون القوت فيها غير هذه الأصناف أو غير بعضها، أما العادة في جعل البلوغ مظنة للعقل الذي هو مناط التكليف والشهادات، وفي مسألة الخمر قليله وكثيره، وفي مسألة مجرد الإيلاج؛ فالعادة فيه مطردة لا فرق بين قطر وآخر. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>