للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْأَحْقَافِ: ٢٠] "، وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ رَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ} ، ثُمَّ قَالَ: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الْأَحْقَافِ: ٢٠] ؛ فَالْآيَةُ غَيْرُ لَائِقَةٍ بِحَالَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ أَخَذَهَا عُمَرُ مُسْتَنِدًا فِي تَرْكِ الْإِسْرَافِ مُطْلَقًا، وَلَهُ أَصْلٌ فِي "الصَّحِيحِ" فِي حَدِيثِ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ؛ فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَهُ. فَاسْتَوَى جَالِسًا؛ فَقَالَ: "أوفي شك [أنت] يابن الْخَطَّابِ؟! أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" ١.

فَهَذَا يُشِيرُ إِلَى مَأْخَذِ عُمَرَ فِي الْآيَةِ وَإِنْ دَلَّ السِّيَاقُ عَلَى خِلَافِهِ.

وَفِي حَدِيثِ الثَّلَاثَةِ٢ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ النار يوم القيامة أن


١ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب المظالم، باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها، ٥/ ١١٤-١١٦/ رقم ٢٤٦٨، وكتاب النكاح، باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، ٩/ ٢٧٨-٢٧٩/ رقم ٥١٩١", ومسلم في "صحيحه" "كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، ٢/ ١١١١-١١١٣/ رقم ١٤٧٩ بعد ٣٤" عن ابن عباس, رضي الله عنهما.
وما بين المعقوفتين زيادة من "ف" و"ط".
٢ يشير المصنف إلى ما أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٣/ ١٥١٣-١٥١٤/ رقم ١٩٠٥"، والترمذي في "جامعه" "أبواب الزهد، باب ما جاء في الرياء والسمعة، ٤/ ٥٩١-٥٩٣/ رقم ٢٣٨٢"، والنسائي في "المجتبى" "كتاب الجهاد، باب من قاتل ليقال: فلان جريء، ٦/ ٢٣ و٢٤" عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء؛ فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال علام، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ؛ فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيه لك. قال: كذبت, ولكنك فعلت ليقال: هو جواد؛ فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار". لفظ مسلم.
وتفرد الترمذي بذكر مقولة معاوية عقبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>