للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا رَجَعَ هَذَا الْبَحْثُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنْ لَا اعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ١، وَفِيهِ مِنَ الْخِلَافِ مَا عُلِمَ٢؛ فَقَدْ رَجَعْنَا إِلَى [أَنَّ] ٣ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَا فَائِدَةَ زَائِدَةٌ٤.

وَالْجَوَابُ: إِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ إِنَّمَا جَاءُوا بِذَلِكَ الْفِقْهِ الْحَسَنِ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ رَاجِعٍ إِلَى الصِّيَغِ الْعُمُومِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَقْصُودًا يَفْهَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْكُفَّارَ بِسَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ، وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ؛ لِيَقُومَ الْعَبْدُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ عَلَى قَدَمَيِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، فَيَرَى أَوْصَافَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ؛ فَيَجْتَهِدُ رَجَاءَ أَنْ يُدْرِكَهُمْ، وَيَخَافُ أَنْ لَا يَلْحَقَهُمْ فَيَفِرَّ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَيَرَى أَوْصَافَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ؛ فَيَخَافُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ، وَفِيمَا يُشْبِهُهُ، وَيَرْجُو بِإِيمَانِهِ أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِمْ؛ فَهُوَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ مِنْ حَيْثُ يَشْتَرِكُ مَعَ الْفَرِيقَيْنِ فِي وَصْفٍ مَا وَإِنْ كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ذُكِرَ الطَّرَفَانِ كَانَ الحائل بينهما مأخوذ٥ الجانبين كمحال


١ وإن من المخصص المنفصل سبب النزول، يعني وما شاكله، فإن ما ذكره المؤلف في هذا المقام لا يقتصر مقتضى الحال فيه على خصوصية السبب، كما هو ظاهر، فإن كلامه فيما هو أوسع من ذلك، كما في كلام عمر وكلام معاوية. "د".
٢ وهو أن الجمهور على القول باعتبار عموم اللفظ، ولا اعتبار بخصوص السبب، والنزاع فيما إذا بنى عام مستقل عل سبب خاص، مثاله أنه سئل -صلى الله عليه وسلم- عن بئر بضاعة التي تلقى فيها الجيف، فقال: "خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ... إلخ "، وكما في قصة مروره بشاة ميمونة ميتة، فقال: "أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر"، وقد نقل عن الشافعي أن العبرة بخصوص السبب مخالف للجمهور الذين حجوه بالأدلة المتضافرة على أن العبرة بعموم اللفظ. "د".
٣ سقطت من "ط".
٤ قد يقال: وكيف لا تكون الفائدة زائدة، وقد صحح بناء على فهمك غير ما صححه الجمهور، من أن العبرة بالعموم لا بالخصوص؛ إلا أن يقال: إنه يريد الفائدة التي يعنيها المؤلف ويكد للحصول عليها، وهي أنه لا تخصيص بالمنفصل أصلًا. "د".
٥ أي: يتجاذبه الطرفان، ويأخذه كل منهما إلى جهته؛ فهو مأخوذ لكل منهما؛ فالعبارة مستقيمة. "د".
قلت: في هذا رد على "ف" حيث قال: "لعله مأخذ الجانبين، أي: جانبي تدبر الخوف والرجاء" ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>