للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

...........................................................................


= محور الكلام في هذه المسألة هو أن خصوص السبب هل يصلح أن يكون قرينة مخصصة أم لا؟ اختلفوا في هذه، وبناء على هذا الاختلاف اختلفت مناهج المؤلفين في تصنيف هذه المسألة، فمنهم من وصفها ضمن مباحث العام وجعل لها عنوانًا مستقلًّا، ومنهم من وصفها ضمن مباحث التخصيص بالمنفصل.
فالآمدي في "الإحكام "٢/ ٤٥٩ و٤٧٧" جعل الخطاب الوارد على سبب بنوعيه, أعني: ورود الخطاب جوابًا لسؤال، ووروده في قضية عين ذكرت فيه علة الحكم, في مباحث العلم، فجعل النوع الأول في المسألة السادسة، وجعل النوع الثاني في المسألة الثالثة عشرة.
وليس في سلوك هذا المنهج ما يدل على أن الآمدي يرى في الحكم العام الوارد على سبب أن العبرة بعموم اللفظ، لأنه في الأصل متردد في صحة التخصيص بالمنفصل، وذكر أوجهًا ثلاثًا تقتضي منع التخصيص المنفصل، ثم حاول تطويع هذه الأوجه لتوافق القول بجواز التخصيص بالمنفصل.
وأما الرازي في "المحصول" "٢/ ١٨٣"؛ فعقد له هذا العنوان: القول فيما ظن أنه من مخصصات العموم، مع أنه ليس كذلك وضمنه الخطاب الوارد على سبب، وقصر السبب على سؤال السائل.
وانفرد في ذلك الشاطبي؛ فإنه لا يرى أصلًا التخصيص بالمنفصل ولا بالمتصل؛ لأن اللفظ العام بوضعه الاستعمال يدل دون ما يدل عليه ذلك اللفظ بوضعه اللغوي، والعموم إنما يفيد بالاستعمال، ووجوه الاستعمالات كثيرة، ولكن ضابطها مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان، وهذه المقتضيات كالقرائن تعين على فهم المقصود من الألفاظ وتبين المجمل، وبهذا الفهم لا يكون إذ ذاك تخصيص بمنفصل, فالنصوص العامة التي وردت فيها مقتضيات أحوال ظاهرها أنها مخصصة للعموم ليست في الحقيقة مخصصة، بناء على هذه القاعدة: "المقصد الاستعمالي للفظ العام"، أو أن هذه المقتضيات وردت لبيان "فقه الجزئيات من الكليات العامة، لا أن المقصود التخصيص بل بيان جهة العموم".
ويجعل الأحكام العامة الواردة على سبب باقية على عمومها، وإنما الأسباب اقتضت أحكامًا خاصة، يقول رحمه الله فيما مضى "١/ ٤٦٥": "ولا يخرج عن هذا -أي: إن الأحكام الكلية مشروعة على الإطلاق والعموم- ما كان من الكليات واردًا على سبب، فإن الأسباب قد تكون مفقودة =

<<  <  ج: ص:  >  >>