قلت: وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "٦/ ٤٤٢" في منكري حجية العموم من المواقفة والمخصصة: "وهو مذهب سخيف"، و"كلام ضائع غايته أن يقال: دلالة العموم أضعف من غيره من الظواهر، وهذا لا يقر؛ فإنه ما لم يقم الدليل المخصص وجب العمل بالعام"، وانظر منه "٢٩/ ١٦٦-١٦٧"، و"إجابة السائل" للصنعاني "ص٣٠٩ وما بعدها". ١ تعلم أن المسألة آلت إلى أنه يقول: إن الذي يسمونه تخصيصًا بالمتصل أو المنفصل ليس تخصيصًا، وإن هذه العمومات وإن لم تبق بمعناها الوضعي الإفرادي الشامل لأكثر من المراد للشارع؛ فهي بحسب الاستعمال ومقاصد الشرع إنما تنطبق على ما يراد فقط، بحسب مقتضى المقام وقرائن الأحوال، وهي حقيقة فيما يراد لا مجاز، وأن هذه القرائن تعتبر كمبين المجمل لا كقرائن المجاز الذي يقتضيه القول بالتخصيص، وعليه فالمقدار الذي يتناوله العام المقصود للشارع لا يختلف على رأيه ورأي الأصوليين، والاعتداد بالعمومات القرآنية فيما أراده منها القرآن واحد، متى درجنا على القول بالحجية في الباقي الذي بالغ عليه، والقرائن العقلية والحسية وغيرها مما يسميه هو كبيان للمجمل ويسمونه مخصصًا لا بد منها عند الطرفين؛ فإنا إذا قلنا: لا يعمل بالعام إلا بعد الاستقصاء عن المخصص؛ فكذلك نقول: لا يعمل بالمجمل إلا بعد التحقق من المبين؛ فأين هو إبطال الكليات القرآنية وإسقاط الاستدلال بها إلا على جهة التساهل وتحسين الظن على رأيهم، وعدم ذلك على رأيه؟ ثم أين الإخلال بجوامع الكلم على رأيهم، وعدم الإخلال بها على رأيه؟ مع أن المقدار الذي يتناوله العام واحد بعد التخصص أو بعد البيان، وكيف نقول على رأيهم بافتقار الجوامع إلى قرائن ومخصصات، ولا نقول بذلك فيها على رأيه؟ وقد قال بعد: "فالحق أنها على عمومها الذي يفهمه العربي الفهم المطلق على مقاصد الشرع"، فإذًا ليست باقية على وضعها الإفرادي، ولا هي غير مفتقرة إلى فهم العربي المطلع على مقاصد الشرع لتكون قرينة له يفهم بها =