للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:

وَالْأَدِلَّةُ عَلَى صِحَّتِهَا مَا تَقَدَّمَ١، وَالْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلَفًا فِيهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ؛ فَالصَّوَابُ جَرَيَانُهَا عَلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ الْعَزَائِمُ مَعَ الرُّخَصِ، وَلِنَفْرِضِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا ٢:

فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْخَطَأُ مِنَ الْمُكَلَّفِ فَتَنَاوَلَ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ؛ ظَهَرَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِهِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ كَشَارِبِ الْمُسْكِرِ يظنه حلالًا، وآكل مال


١ قال في الدليل الأول هناك: لا يخاطب بالعزيمة من لا يطيقها؛ فالخطاب مرفوع من الأصل لرفع التكليف بما لا يطاق، فإجراء هذا الدليل لا يناسب ما نحن فيه؛ لأنه ينتج عكس مطلوبه ويقتضي أنه لا تكليف مع النسيان والخطأ، وأيضًا قالوا: إن الفهم والقدرة على الامتثال شرطان في التكليف، وأجابوا عن مثل اعتبار طلاق السكران الفاقد للشرط بأنه من قبيل ربط الأحكام بأسبابها، فهو من خطاب الوضع لا من التكليف، وهذا يشكل على المسألة هنا، وعلى قوله سابقًا: "ونظير تخلف العزيمة للمشقة تخلفها للخطأ والنسيان والإكراه وغيرها من الأعذار التي يتوجه الخطاب ... إلخ"؛ إلا أن يقال: إنه جارٍ على القول بتوجه التكليف إلى هؤلاء جميعًا، وأشار إلى ذلك بقوله: "وإن كان مختلفًا فيها"، ويكون معنى الشرط على هذا القول أنه شرط في المؤاخذة لا في أصل توجه التكليف، هذا وقد سبق له في باب الأحكام الإفاضة في مرتبة العفو وأنها زائدة عن الأحكام الخمسة، وأقام الأدلة عليها إثباتًا ونفيًا، وذكر مواضعها على القول بثبوتها، وختم المبحث هناك بما ختمه به هنا من أن هذا مبحث لا ينبني عليه فقه، وأن الأولى تركه؛ فراجعه إن شئت. "د".
٢ فرض المسألة في هذين الموضعين من باب التمثيل لا الاستقصاء؛ لأنها أوسع من ذلك، وقد سبق له في النوع الأول من الأنواع الثلاثة لمرتبة العفو المذكور هناك -وهو الوقوف مع الدليل المعارض قصد نحوه- أن أدرج فيه العمل بالعزيمة مع وجود مقتضى الرخصة، كما أدرج فيه المتأول كشارب المسكر يظنه حلالًا، وأدرج فيه خطأ القاضي في مسائل الاجتهاد ما لم يكن أخطأ نصًّا أو إجماعًا أو بعض القواطع، وإنما قيده بقوله: "ظهرت ... إلخ" حتى يتأتى له قوله بعد: "فهل يسوغ أن يقال ... إلخ" يعني، ومع مراعاة المصالح وبناء الأحكام عليها لا يمكن أن يقال ذلك، وكذا يقال في الموضع الثاني. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>