للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أُنْزِلْنَ عُذْرًا لِلْمَاضِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْبَاقِينَ؛ فَعَذَرَ الْمَاضِينَ١ بِأَنَّهُمْ لَقُوا اللَّهَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَمْرُ، وَحُجَّةً عَلَى الْبَاقِينَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [الْمَائِدَةِ: ٩٠] ، ثُمَّ قَرَأَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا، ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ الْخَمْرُ. قَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ"٢ الْحَدِيثَ.

وَحَكَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي؛ قَالَ: "شَرِبَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْخَمْرَ، وَعَلَيْهِمْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالُوا: هِيَ لَنَا حَلَالٌ، وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [المائدة: ٩٣] ، قَالَ: فَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُمَرَ، قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَيْهِ: أَنِ ابْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ قَبْلَ أَنْ يُفْسِدُوا مَنْ قِبَلَكَ. فَلَمَّا أَنْ قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ اسْتَشَارَ فِيهِمُ النَّاسَ؛ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! نَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، وَشَرَعُوا فِي دِينِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ...." إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ٣.

فَفِي الْحَدِيثَيْنِ بَيَانٌ أَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ أَسْبَابِ التَّنْزِيلِ تُؤَدِّي إِلَى الخروج عن المقصود بالآيات.


١ في الأصل و"ط": "الماضون".
٢ أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب المغازي، باب منه، ٧/ ٣١٩/ رقم ٤٠١١" مختصرًا، وأخرجه مطولًا عبد الرزاق في "المصنف" "٩/ ٢٤٠-٢٤٢/ رقم ١٧٠٧٦"، وابن شبة في "تاريخ المدينة" "٣/ ٨٤٢-٨٤٩"، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" "٥/ ٥٦"، والبيهقي في "الكبرى" "٨/ ٣١٥-٣١٦" بأسانيد وألفاظ، وكذا ساقه الجصاص في "أحكام القرآن" "٤/ ١٢٨-١٢٩"، وابن الأثير في "أسد الغابة" "٤/ ١٩٩"، وابن عبد البر في "الاستيعاب" "٣/ ٢٤٨"، وابن حجر في "الإصابة" "٣/ ٢٢٠"، والنويري في "نهاية الأرب" "١٩/ ٣٦٤"، والمحب الطبري في "الرياض النضرة" "٢/ ٤٥" بنحوه.
٣ نحوه في "أحكام القرآن" "٤/ ١٢٨" للجصاص، وعزاه المصنف في "الاعتصام" "٢/ ٥٢٧, ط ابن عفان" للقاضي إسماعيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>