للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَثَمَّ أَنْوَاعٌ أُخَرُ يَعْرِفُهَا مَنْ زَاوَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ، وَلَا يُنْبِئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ؛ فَأَبُو حَامِدٍ١ مِمَّنْ قَتَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ خِبْرَةً، وَصَرَّحَ فِيهَا بِالْبَيَانِ الشَّافِي فِي مَوَاضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ.

وَقَسْمٌ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ جُمْلَتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ، لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ خِطَابٌ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، بَلْ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ هُوَ، وَذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُعْجِزَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ تَفَاصِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ؛ إِذْ لَمْ تَنُصَّ آيَاتُهُ وَسُوَرُهُ عَلَى ذَلِكَ مِثْلَ نَصِّهَا عَلَى الْأَحْكَامِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى التَّعْجِيزِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ دُونَ شَيْءٍ، وَلَا سُورَةٍ دُونَ سُورَةٍ، وَلَا نَمَطٍ مِنْهُ دُونَ آخَرَ، بَلْ مَاهِيَّتُهُ هِيَ الْمُعْجِزَةُ لَهُ، حَسْبَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ عَلَيْهِ] ٢ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتيته وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ؛ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ٣؛ فهو بهيأته الَّتِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا دَالٌّ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَفِيهَا عَجَزَ الْفُصَحَاءُ اللُّسُنُ، وَالْخُصَمَاءُ اللُّدُّ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمَا يُمَاثِلُهُ أَوْ يُدَانِيهِ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ مُعْجِزًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْرِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تُصَوِّرَ٤ الْإِعْجَازُ بِهِ؛ فَمَاهِيَّتُهُ هِيَ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِلَى أَيِّ نَحْوٍ مِنْهُ مِلْتَ دَلَّك [ذَلِكَ] ٥ عَلَى صَدْقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا لَا نَظَرَ فيه هنا، وموضعه كتب الكلام.


١ من لطيف ما قيل عنه عبارة ابن العربي: "شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم فما استطاع".
انظر: "الصفدية" "١/ ٢١١"، و"السير" "١٩/ ٣٢٧"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "٤/ ٦٦، ١٦٤".
٢ ما بين المعقوفتين سقط من "د".
٣ مضى تخريجه "ص١٨٠".
٤ في "ط": "يتصور".
٥ ليست في الأصل ولا في "ط".

<<  <  ج: ص:  >  >>