للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ كُلُّ عِلْمٍ. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي, وَكَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنَ خَالَةِ الْفَرَّاءِ: فَأَنْتَ قَدْ بَرَعْتَ فِي عِلْمِكَ، فَخُذْ مَسْأَلَةً أَسْأَلُكَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِكَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ, ثُمَّ سَجَدَ لِسَهْوِهِ فَسَهَا فِي سُجُودِهِ أَيْضًا؟

قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَالَ: وَكَيْفَ؟

قَالَ: لِأَنَّ التَّصْغِيرَ عِنْدَنَا١ لَا يُصَغَّرُ؛ فَكَذَلِكَ السَّهْوُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَا يُسْجَدُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَصْغِيرِ التَّصْغِيرِ؛ فَالسُّجُودُ لِلسَّهْوِ هُوَ جَبْرٌ لِلصَّلَاةِ، وَالْجَبْرُ لَا يُجْبَرُ، كَمَا أَنَّ التَّصْغِيرَ لَا يُصَغَّرُ.

فَقَالَ الْقَاضِي: مَا حَسِبْتُ أَنَّ النِّسَاءَ يَلِدْنَ مِثْلَكَ٢.

فَأَنْتَ تَرَى مَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ التَّصْغِيرِ وَالسَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الضَّعْفِ؛ إِذْ لَا يَجْمَعُهُمَا فِي الْمَعْنَى أَصْلٌ حَقِيقِيٌّ فَيُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.

فَلَوْ جَمَعَهُمَا أَصْلٌ وَاحِدٌ؛ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَمَسْأَلَةِ الْكِسَائِيِّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ.

رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ دَخَلَ على الرشيد، والكسائي يداعبه ويمازحه؛ فقال


١ كلمة "عندنا" ليست في "م" و"خ".
٢ المحاورة بين الفراء ومحمد بن الحسن موجودة في "تاريخ بغداد" "١٤/ ١٥١-١٥٢"، لكن رواها قبل ذلك "١٤/ ١٥١" على أن بشرا المريسي هو الذي سأل الفراء.
وذكرها كذلك ابن خلكان في "وفيات الأعيان" "٦/ ١٧٩"، وكان ذكرها قبل ذلك "٣/ ٢٩٦" في ترجمة الكسائي أنها جرت بينه وبين محمد بن الحسن، ثم قال: "هكذا وجدت هذه الحكاية في عدة مواضع، وذكر الخطيب في "تاريخ بغداد" أن هذه القضية جرت بين محمد بن الحسن المذكور والفراء".

<<  <  ج: ص:  >  >>