للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى إِطْلَاقِهِ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ فَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِهِ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ؛ فَنَقُولُ:

إِنَّ تِلْكَ الْأَنْظَارَ الْبَاطِنَةَ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ جَرَيَانُهَا عَلَى مُقْتَضَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الِاعْتِبَارِ غَيْرِ الْقُرْآنِيِّ، وَهُوَ الْوُجُودِيُّ١، وَيَصِحُّ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَعَانِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ وُجُودِيٌ٢ أَيْضًا؛ فَهُوَ مُشْتَرِكٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ غَيْرُ خَاصٍّ؛ فَلَا يُطَالِبُ فِيهِ الْمُعْتَبِرُ بِشَاهِدٍ مُوَافِقٍ إِلَّا مَا يُطَالِبُهُ [بِهِ] الْمُرَبِّي، وَهُوَ أَمْرٌ خَاصٌّ، وَعِلْمٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ فَلِذَلِكَ يُوقَفُ عَلَى مَحَلِّهِ، فَكَوْنُ الْقَلْبِ جَارًا ذَا قُرْبَى، وَالْجَارِ الْجُنُبِ هُوَ النَّفَسُ الطَّبِيعِيَّ، إِلَى سَائِرِ مَا ذُكِرَ؛ يَصِحُّ تَنْزِيلُهُ اعْتِبَارِيًّا مُطْلَقًا، فَإِنَّ مُقَابَلَةَ الْوُجُودِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي هَذَا النَّمَطِ صَحِيحٌ وَسَهْلٌ جِدًّا عِنْدَ أَرْبَابِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ مُغَرِّرٌ بِمَنْ لَيْسَ بِرَاسِخٍ أَوْ دَاخِلٍ تَحْتَ إِيَالَةِ رَاسِخٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ ذُكِرَ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْتَبَرِينَ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ الْمُخَاطَبُ بِهِ الْخَلْقُ بَلْ أَجْرَاهُ مَجْرَاهُ وَسَكَتَ عَنْ كَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادَ، وَإِنْ جَاءَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ؛ فَهُوَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ الَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الِاعْتِبَارِ الْقُرْآنِيِّ وَالْوُجُودِيِّ، وَأَكْثَرُ مَا يَطْرَأُ هَذَا لِمَنْ هُوَ بَعُدَ فِي السُّلُوكِ، سَائِرٌ عَلَى الطَّرِيقِ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِمَطْلُوبِهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ مَنْ لَمْ يُثْبِتِ اعْتِبَارَ قوله من الباطنية وغيرهم.


١ مثال الاعتبار الخارجي ما يروونه عن بعضهم في معنى قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: ٣] ، قال: ألف شهر هي مدة الدولة الأموية؛ لأنها مكثت ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر، وأن ذلك من الله تسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث أطلعه على ملوك بني أمية واحدًا واحدًا؛ فسري عنه بهذه السورة، هذا المعنى لم يؤخذ من القرآن، بل أخذ من الخارج والواقع في ذاته بمصادفة مطابقة العدد، واللفظ لا ينبو عنه، لكنه لا دليل من الشرع على كونه هو المعنى المقصود. "د". وفي "ط": "الوجدي".
٢ في "ط": "وجدي".

<<  <  ج: ص:  >  >>