للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

الْمَدَنِيُّ مِنَ السُّوَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُنَزَّلًا فِي الْفَهْمِ عَلَى الْمَكِّيِّ، وَكَذَلِكَ الْمَكِّيُّ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ، وَالْمَدَنِيُّ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ، عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِهِ فِي التَّنْزِيلِ، وَإِلَّا لَمْ١ يَصِحَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْخِطَابِ الْمَدَنِيِّ فِي الْغَالِبِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَكِّيِّ، كَمَا أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُتَقَدِّمِهِ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِقْرَاءُ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِبَيَانٍ مُجْمَلٍ، أَوْ تَخْصِيصِ عُمُومٍ، أَوْ تَقْيِيدِ مُطْلَقٍ، أَوْ تَفْصِيلِ مَا لَمْ يَفَصَّلْ، أَوْ تَكْمِيلِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَكْمِيلُهُ٢.

وَأَوَّلُ شَاهِدٍ عَلَى هَذَا أَصْلُ٣ الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّهَا جَاءَتْ مُتَمِّمَةً لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمُصْلِحَةً لِمَا أُفْسِدَ قَبْلُ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَيَلِيهِ تَنْزِيلُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ؛ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ مُبَيِّنَةً لِقَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ وَأُصُولِ الدِّينِ، وَقَدْ خَرَّجَ٤


= ١٦٦٥/ رقم ٢١٠٦" عن أبي طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- مرفوعًا.
ويشير المصنف في الاستدلال بهذا الحديث على ما قاله ابن القيم في "الكلام في مسألة السماع" "ص٣٩٧-٣٩٨": "فإذا منع الكلب والصورة دخول الملك إلى البيت؛ فكيف تدخل معرفة الرب ومحبته في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصورها؟! ".
١ ف "ط": "وإن لم".
٢ انظر في ذلك: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "١٥/ ١٥٩-١٦٠ و١٧/ ١٢٥-١٢٦".
٣ أي: إن الشريعة جاءت مبنية على ما سبقها من شريعة إبراهيم، مصححة لما غيروه منها ومكملة لها؛ فليكن هذا نفسه في إجراء بعضها مع بعض يكون المتأخر منها مكملًا لسابقه ومبنيًّا عليه، ويلي هذا الشاهد شاهد نزول سورة الأنعام التي هي من أوائل السور المكية؛ فإنك تجدها معنية بالأصول والعقائد، ثم جاءت سورة البقرة مفصلة لتلك القواعد، مبينة أقسام أفعال المكلفين ... إلخ. "د".
٤ انظر في ذلك: "تصور الألوهية كما تعرضه سورة الأنعام"، و"معركة النبوة مع المشركين أو قضية الرسالة كما تعرضها صورة الأنعام، كلاهما لأستاذنا الشيخ إبراهيم الكيلاني، طبع مكتبة الأقصى - عمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>