للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْمَعْنَى أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَقَعَ مِنْ أَجْلِهَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِيمَنْ عَصَى اللَّهَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَتَيْنِ؛ فَذَهَبَتِ الْمُرْجِئَةُ إِلَى الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الظَّوَاهِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَكَانَ مَا عَارَضَهَا مؤولًا١ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ إِلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ، حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِهِمْ وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الظَّوَاهِرَ.

وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ السَّلَفِ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُنْزَلَةٌ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى لِلْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ الْفَرَائِضُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُصَلِّ أَوْ لَمْ يَصُمْ مَثَلًا، وَفَعَلَ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرْعِ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَعْدُ، فَلَمْ يُضَيِّعْ مِنْ أَمْرِ إِسْلَامِهِ شَيْئًا، كَمَا أَنَّ مَنْ مَاتَ وَالْخَمْرُ فِي جَوْفِهِ قَبْلَ أن تحرم؛ فلا حرج عليه


= قال "د": "فالتمثيل بمثله يحتاج إلى تحقق أنه كان قبل تقرير المشروعات من صلاة وصوم وحج وجهاد وغيرها، وذلك بعيد؛ فإن الحديث ورد في المدينة بعد فرضية الصلوات الخمس في مكة؛ فليراجع، نعم، إن حديث أبي ذر: "بشرني بأن من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"، يمكن أن يكون في أوائل التشريع لتقدم إسلام أبي ذر؛ إلا أن قوله فيه: "وإن زنى وإن سرق" يفيد أنه ورد بعد تقرر حرمة الزنى والسرقة، وأقوى شبهة ترد على ما يقرره المؤلف في هذا ما سبق من حديث أبي هريرة وأخذه نعلي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ومشيه في الطريق يبشر الناس بهذه البشرى نفسها، وقول عمر للرسول: هل أرسلت أبا هريرة بهذه البشرى؟ قال: "نعم". فقال له عمر: "دعهم لئلا يتكلوا"؛ فإن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة من الهجرة بعد تقرر غالب أحكام الشريعة".
أما "ف"؛ فاختصر الكلام، فقال: "رده الإمام النووي في "شرح مسلم" بأن راوي بعض هذه الأحاديث أبو هريرة, رضي الله عنه -وهو متأخر الإسلام، أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق- وكانت أحكام الشريعة كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها وكذا الحج على الراجح من فرضه سنة خمس أو ست متقررة، وذكر لهذه الأحاديث ونحوها تأويلات، حكاها عن القاضي عياض وغيره لا يتسع المجال لإيرادها؛ فلتراجع".
١ في الأصل: "مؤول". وفي "ط": "مأول".

<<  <  ج: ص:  >  >>