للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:

مَبْنِيَّةٌ١ عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ فَإِنَّهُ إِذَا تَعَيَّنَ أَنَّ الْعَدْلَ فِي الْوَسَطِ؛ فَمَأْخَذُ الْوَسَطِ رُبَّمَا كَانَ مَجْهُولًا، وَالْإِحَالَةُ عَلَى مَجْهُولٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ ضابط يعول عليه في مأخذ الفهم.


١ محصول المسألة قبلها أن بعض الناس يفرط في تفهمه للقرآن؛ فيحمله على غير ما تقتضيه اللغة العربية كالباطنية وأشباههم، وبعضهم يفرط في جلب مباحث اللغة حوله؛ فيحمله زيادة عما يقصده العرب في مخاطباتهم بمثله مما لم ينظر بمثله السلف فيه كالمحسنات اللفظية وادعاء أنه ذكر لفظ كذا دون مرادفه بقصد كذا، وهذا تقول على الله؛ فلا بد من طريق وسط، أما هذه المسألة؛ فمحصلها إرشاد إلى طريقة فهم الكتاب من ناحية ربط بعض جمله المشتركة في قضية واحدة، وأنه بمعاضدة بعضها لبعض يتبين مقصود الخطاب، ويتبين فقه الكلام، وأنه لا يؤخذ جملة منقطعة عن سابقها ولاحقها، وأن السور النازلة في قضية واحدة أمرها في ذلك ظاهر كما مثل، أما السور المشتملة على قضايا كثيرة؛ فهل ينظر فيها إلى ترتيب السورة كلها ككلام واحد؟ قال: نعم، إن ذلك يفيد من وجهة الإعجاز، وإدراك انفراد الكتاب بمرتبة في البلاغة لا تنال، ثم ذكر في الفصل بعدها أنه هل يفيد النظر فيما بين السور بعضها مع بعض؟ هذه خلاصة المسألتين؛ فأين ابتناء هذه المسألة على ما قبلها وكل منهما في ناحية؟ نقول: نعم، إن النظر في الجملة الواحدة، والجمل المشتركة في القضية وفيما بين السورة كلها ولو كانت متعددة القضايا إنما يكون وسيلة اللغة العربية وقواعدها المعروفة في فنونها؛ فكأنه يقول: إن ما نحتاج إليه من ذلك ما يكون معينًا على فهم الجمل منفردة ومنضمة إلى أخواتها في قضية أو قضايا، وما زاد أو نقص عنه؛ فإفراط أو تفريط؛ فهذا هو الضابط الذي نأخذ به من مباحث اللغة، وكلامه لا ينافي أنه لا بد أيضًا من الوسائل الستة المتقدمة له، من أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، وعلم القراءات وعلم الأصول، وقد أشار إلى بعض ذلك بقوله: "وقد يعينه على هذا المقصد النظر في أسباب التنزيل"، وعليك بالتأمل في المقام لتعرف هل لا بد للفهم الوسط من ملاحظة هذين الأمرين من الأمور الستة المشار إليها، وإذا تذكرت ما سبق له من بناء المدني بعضه على بعض والمكي كذلك وبناء المدني على المكي؛ لاح لك وجه الحاجة في هذا المقام أيضًا إلى معرفة المكي والمدني، فاستمد المعونة منه تعالى لتصل إلى علم نافع. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>