للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرِيكِ بِإِطْلَاقٍ، أَوْ نَفْيِهِ بِقَيْدِ مَا ادَّعَاهُ الْكُفَّارُ فِي وَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْ كَوْنِهِ مُقَرَّبًا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، أَوْ كَوْنِهِ وَلَدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ.

وَالثَّانِي: تَقْرِيرُ النُّبُوَّةِ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ جَمِيعًا، صَادِقٌ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ إِلَّا أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى وُجُوهٍ أَيْضًا؛ كَإِثْبَاتِ كَوْنِهِ رَسُولًا حَقًّا، وَنَفْيِ مَا ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ كَاذِبٌ، أَوْ سَاحِرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ.

وَالثَّالِثُ: إِثْبَاتُ أَمْرِ الْبَعْثِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ بِالْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِكُلِّ وَجْهٍ يُمْكِنُ الْكَافِرُ إِنْكَارَهُ بِهِ؛ فَرَدَّ بِكُلِّ وَجْهٍ يُلْزِمُ الْحُجَّةَ، وَيُبَكِّتُ الْخَصْمَ، وَيُوَضِّحُ الْأَمْرَ.

فَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْمُنَزَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ فِي عَامَّةِ الْأَمْرِ، وَمَا ظَهَرَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ خُرُوجُهُ عَنْهَا؛ فَرَاجِعٌ إِلَيْهَا فِي مَحْصُولِ الْأَمْرِ، وَيَتْبَعُ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ، وَالْأَمْثَالُ وَالْقَصَصُ، وَذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَوَصْفُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَعُدْنَا إِلَى النَّظَرِ فِي سورة "المؤمنون" مَثَلًا وَجَدْنَا فِيهَا الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ عَلَى أَوْضَحِ الْوُجُوهِ؛ إِلَّا أَنَّهُ غَلَبَ عَلَى نَسَقِهَا ذِكْرُ إِنْكَارِ الْكُفَّارِ لِلنُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَدْخَلُ لِلْمَعْنَيَيْنِ١ الْبَاقِيَيْنِ, وَإِنَّهُمْ إِنَّمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ بِوَصْفِ الْبَشَرِيَّةِ تَرَفُّعًا مِنْهُمْ أَنْ يُرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ، أَوْ يَنَالَ هَذِهِ الرُّتْبَةَ غَيْرُهُمْ إِنْ كَانَتْ؛ فَجَاءَتِ٢ السُّورَةُ تُبَيِّنُ وَصْفَ الْبَشَرِيَّةِ وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ مِنْهَا، وَبِأَيِّ وَجْهٍ تَكُونُ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا حَتَّى تَسْتَحِقَّ الِاصْطِفَاءَ وَالِاجْتِبَاءَ مِنَ الله تعالى؛ فافتتحت السورة بثلاث جمل:


١ في "ط": "إلى المعنيين".
٢ في نسخة "د": "جاءت فكانت".

<<  <  ج: ص:  >  >>