للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:

إِعْمَالُ الرَّأْيِ فِي الْقُرْآنِ جَاءَ ذَمُّهُ، وَجَاءَ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي إِعْمَالَهُ، وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنِ الصِّدِّيقِ؛ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ, وَقَدْ سُئِلَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ: "أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِنْ أَنَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟ "١.

وَرُبَّمَا رُوِيَ فِيهِ: "إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي"١.

ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الْكَلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ؛ فَقَالَ: "أَقُولُ٢ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا؛ فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً؛ فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، الْكَلَالَةُ كَذَا وَكَذَا"٣.

فَهَذَانِ قَوْلَانِ اقْتَضَيَا إِعْمَالَ الرَّأْيِ وَتَرَكَهُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُمَا لَا يجتمعان.

والقول فيه أن الرأي ضربان٤:


١ مضى تخريجه "ص٢٥٠".
٢ في "د": "لا أقول"، والصواب حذف "لا".
٣ أورده ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "٢/ ٩١١/ رقم ١٧١٢" عن ابن مسعود، ولم يسنده".
٤ قد حذر العلماء قديمًا عن التفسير بالرأي، ولكنهم لم يبينوا كل البيان ما هو المراد من التفسير بالرأي، وإذ كان المروي في ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قليلًا جدًّا، ولم يكثر فيه أيضًا ما روي عن الصحابة، فأضافوا به ما روي عن التابعي وتبعهم مع اختلاف الأقاويل بينهم، وعلى هذا صنف ابن جرير -رحمه الله- تفسيره وهو أحسن التفاسير حتى قيل: إنه لم يصنف مثله.
والقرآن قد تضمن من الحكمة والمعارف ما لا يحيط به إلا الله تعالى، وقد حث القرآن نفسه على التفكير والتدبر فيه، وقد تبين لأصحاب العقول معارف غامضة قد تضمنها الآيات ولم يجدوها فيما روي عن السلف؛ فذكروها في تفاسيرهم، وأكبر التفاسير المتداولة التي كتبت على هذا الطريق ما ألفه الإمام الرازي, رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>