وهذا بالضبط هو كلام الجويني وغيره من أئمة الأشاعرة، ولهذا القول لوازم فاسدة قد التزموها وقالوا بها، منها كما يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" "٢/ ٤٢-٥٢": إنه يجوز ظهور المعجزة على يد الكاذب، وإنه ليس بقبيح، وإنه يجوز نسبة الكذب إلى أصدق الصادقين، وإنه لا يقبح منه، وإنه يستوي التثليث والتوحيد قبل ورود الشرع، وإنه لا يقبح الشرك ولا عبادة الأصنام، ولا مسبة المعبود سبحانه، وإنه لا يقبح الزواج بالأم والبنت، وغير ذلك من اللوازم التي انبنت على أن هذه الأشياء لم تقبح بالعقل، وإنما جهة قبحها السمع فقط. وهذه كلها لوازم فاسدة تدل على فساد الملزوم، بل ويلزم على قولهم هذا أنه يصح أن يأمر الله بالشرك؛ فلا يكون قبيحا، وبالزنى والسرقة والظلم وسائر المنكرات؛ فلا يكون ذلك قبيحا، ويجوز عندهم أن ينهى سبحانه عن التوحيد والعفة والصدق والعدل؛ فتكون هذه كلها قبيحة، كما قال الإيجي في "المواقف" "٣٢٣": "ولو عكس القضية، فحسن ما قبحه وقبح ما حسنه؛ لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر". القول الثاني: وهو مذهب المعتزلة على اختلاف بينهم في التفصيلات، وكثير من أصحاب أبي حنيفة، وهذا القول يقع في مقابل القول الأول؛ إذ الحسن والقبح عند هؤلاء عقليان، لا يتوقف في معرفتهما وأخذهما عن الدليل السمعي، ويجعلون الحسن والقبح صفات ذاتية للفعل لازمة له، ويجعلون الشرع إلا كاشفا عن تلك الصفات لا سببا لشيء من الصفات، ترى تفصيل ذلك في "مجموع الفتاوى" "٨/ ٤٣١ و١١/ ٦٧٧"، و"درء تعارض العقل والنقل" "٨/ ٤٩٢"، و"مدارج السالكين" "١/ ٢٣٨"، و"مفتاح دار السعادة" "٢/ ٨، ٣٩، ١٠٥"، و"شرح الأصول الخمسة" "٤١، ٤٦"، و"سلم الوصول شرح نهاية السؤل" "١/ ٨٣"، و"إرشاد الفحول" "٧". ورتب المعتزلة على هذا الأصل أمورا عديدة، منها: أن القبح في العقل يترتب عليه الذم والعقاب في الشرع، والحسن في العقل يترتب عليه المدح والثواب في الشرع، وأن الله -سبحانه وتعالى- يجب عليه أن يفعل ما استحسنه العقل ويحرم عليه أن يفعل ما استقبحه العقل، وأن =