للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشْحُونَةٌ بِأَخْبَارِهِمْ فِيهِ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ جَرَيَانَ الْحُكْمِ وِرَاثَةً عَنِ النَّبِيِّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ هُوَ فَائِدَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبِسَبَبِهِ جَلَبْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِي كِتَابِ الْمَقَاصِدِ كَافِيًا، وَلَكِنْ نُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ هَذَا تَقْرِيرُهَا.

فَاعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مُؤَيَّدٌ١ بِالْعِصْمَةِ مَعْضُودٌ بِالْمُعْجِزَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ مَا قَالَ وَصِحَّةِ مَا بَيَّنَ، وَأَنْتَ تَرَى الِاجْتِهَادَ الصَّادِرَ مِنْهُ مَعْصُومًا٢ بِلَا خِلَافٍ؛ إِمَّا بِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ أَلْبَتَّةَ، وَإِمَّا بِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ إِنْ فُرِضَ؛ فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَكُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ رُؤْيَا نَوْمٍ أَوْ رُؤْيَةِ كَشْفٍ مِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ مِمَّا أَلْقَى إِلَيْهِ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَمَّا أُمَّتُهُ٣؛ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ حُلْمًا٤، وَكَشْفُهُ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ وَإِنْ تَبَيَّنَ فِي الْوُجُودِ صِدْقُهُ٥، وَاعْتِيدَ ذَلِكَ فِيهِ وَاطُّرِدَ؛ فَإِمْكَانُ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ بَاقٍ، وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقْطَعَ به حكم٦.


١ فلا يصدر عنه في ذاته إلا الصدق، وتعضيده بالمعجزة يجعلنا لا نعتقد إلا ذلك. "د".
٢ في "ماء": "معصوم".
٣ تقدم الكلام بأوسع من هذا وأتم، في المسألة الحادية عشرة من النوع الرابع من المقاصد. "د".
٤ أي: والحلم من الشيطان كما تقدم في الحديث. "د".
٥ أي في غير هذه الجزئية التي يفرض الكلام فيها؛ فإمكان الخطأ والوهم باق في هذه الجزئية حتى ينكشف الأمر؛ إما بتحققها، أو عدمه، وبعد تحققها وحصولها؛ فالمرجع الوجود، لا الكشف ولا الرؤيا. "د".
وانظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "١١/ ٦٣٦ وما بعدها"، و"بدائع التفسير" "١/ ١٥٢ وما بعدها" لابن القيم.
٦ في "ط": "حكمًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>