للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ١ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي فُرُوعِهَا وَإِنْ كَثُرَ الْخِلَافُ، كَمَا أَنَّهَا فِي أُصُولِهَا كَذَلِكَ؛ وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: أَدِلَّةُ الْقُرْآنِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا ٢ كَثِيرًا} [النِّسَاءِ: ٨٢] ؛ فَنَفَى أَنْ يَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ البتة،


١ أي: فليس من مقاصد الشرع وضع حكمين متخالفين في موضوع واحد، بل لا يريد إلا طريقًا واحدا في الواقع، ولا ينافي هذا حصول اختلاف من المجتهدين من الطريق الذي يريده الشارع. "د".
قلت: وكتب "ف" ما نصه: "أي: ليس فيها ما يفهم قولين مختلفين يتضاربان في حكم بحيث يفيد أحدهما الوجوب والآخر الحرمة في نفس الأمر، بل أدلتها سالمة من التعارض في ذاتها، بريئة من الاختلاف الواقعي، وهذا لا ينفي وجود التعارض والاختلاف في فهم الناظر وظنه".
٢ مبني على أن المراد الاختلاف في الأحكام الشرعية، ومنعه بعضهم بوقوع هذا الاختلاف فعلًا، وقال: المراد به التناقض في المعنى والقصور عن البلاغة؛ فالأول بأن يطابق بعضه الواقع، وبعضه لا يكون كذلك، ويكون العقل موافقًا لبعض أحكامه دون بعض، والثاني بتفاوته في النظم ركَّة وفصاحة، وبلوغًا لحد الإعجاز في البعض دون البعض، وكل ذلك يكون سببه نقصان القوة البشرية وتخاذلها عن الوفاء بمواجب
الصحة الكاملة والإعجاز التام، على أن الآية في وصف القرآن، وهو أخص من مطلق الشريعة؛ فإنها كما تشمله تشمل السنة والإجماع والقياس وسنة الصحابة كما تقدم؛ فالدليل أخص من المدعى، ولكن المانع لا يتأتى له إثبات الاختلاف في الأحكام الشرعية أيضًا بالمعنى الذي يريده المؤلف وهو تعارض أدلتها في نفس الأمر؛ فيرجع إلى المعنى الذي يقرره المؤلف. "د".
قلت: قرر ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "١٣/ ١٩" أن الاختلاف في القرآن يراد به التضاد والتعارض، ولا يراد به مجرد عدم التماثل، وانظر في الاختلاف ومعناه المنفي عن القرآن: "تأويل مشكل القرآن" "٢٤، ٣٣"، و"بصائر ذوي التمييز" "٢/ ٥٦١-٥٦٢"، و"الاعتصام" "٢/ ٢٣٢-٢٣٣ - ط رضا، و٢/ ٨١٨ - ط ابن عفان"، و"المنهاج في ترتيب الحجاج" للباجي- وهو مصنف حول الاختلاف في الاصطلاح، و"الحقيقة الشرعية" "ص٣٣-٤٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>