للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اعْتَمَدَ١ فِي فُتْيَاهُ عَلَى كُلِّيَّةِ مَا اسْتَفَادَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَرَ غَيْرَهُ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ مُعَارِضًا، فاطرح الاعتماد عليه، والله أعلم.

و [الحال] الثَّالِثُ: أَنْ يَخُوضَ فِيمَا خَاضَ فِيهِ الطَّرَفَانِ وَيَتَحَقَّقُ بِالْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ مُنَزَّلَةً عَلَى الْخُصُوصِيَّاتِ الْفَرْعِيَّةِ، بِحَيْثُ لَا يَصُدُّهُ التَّبَحُّرُ فِي الِاسْتِبْصَارِ بِطَرَفٍ عَنِ التَّبَحُّرِ فِي الِاسْتِبْصَارِ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ، فَلَا هُوَ يَجْرِي عَلَى عُمُومٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ٢ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى الْآخَرِ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى تَنَزُّلِ٣ مَا تَلَخَّصَ لَهُ عَلَى مَا يَلِيقُ فِي أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إِلَى الرُّتْبَةِ الَّتِي تَرْقَى مِنْهَا، لَكِنْ بِعِلْمِ الْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ فِيهَا عُمُومًا وَخُصُوصًا.

وَهَذِهِ الرُّتْبَةُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ مِنْ صَاحِبِهَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ فِيهَا، حَاكِمٌ لَهَا، غَيْرُ مَقْهُورٍ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، فَإِنَّ صَاحِبَهَا مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلِذَلِكَ قَدْ تَسْتَفِزُّهُ مَعَانِيهَا٤ الْكُلِّيَّةُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْخُصُوصِيَّاتِ، وَكُلُّ رُتْبَةٍ حَكَمَتْ عَلَى صَاحِبِهَا دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ رُسُوخِهِ فِيهَا، وَإِنْ كانت محكومًا


١ على رأيه يكونون مصححين للفتيا من رأس الكلية، وقائلين بأن النظر إلى الجزئي ليس بلازم، وهل يصح أن يأخذ كل منهم كليته من حديث واحد؟ إن هذا بعيد، والقريب أن يكون كل منهم استند إلى الحديث الذي رواه، ولم يعتمد على ما رواه غيره، إما لعدم روايته له، أو لعدم صحة الحديث عنده، أو لمرجع آخر من المرجحات الكثيرة عند تعارض الأحاديث في السند أو في المتن أو بخارج عنهما، وربما أيد الاحتمال الأول قول كل "لا أدري ما قالاه"، فالتمثيل بهذه القصة للمقام الذي هو بصدده غير ظاهر. "د".
قلت: قال ابن السيد قبل هذه القصة: "ومما اختلفت فيه أقوال الفقهاء لأخذ كل واحد منهم بحديث مفرد اتصل به، ولم يتصل به سواه".
٢ كما سبق أن المرتب يخدم بعضها بعضًا، ويقيد بعضها بعضًا. "د".
٣ أي: فلا بد في النظر في محال الخصوصيات، وأهي أفعال المكلفين، فلا يكونون عنده سواء، بل كل وما يليق به كما أشار إليه آنفًا في حجج المانع. "د".
٤ أي: تخرجه تلك المعاني الكلية عن الالتفات إلى الخصوصيات. "ف".

<<  <  ج: ص:  >  >>