للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

قَدْ يَسُوغُ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يُحَمِّلَ نَفْسَهُ مِنَ التَّكْلِيفِ مَا هُوَ فَوْقَ الْوَسَطِ؛ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ الرُّخَصِ، وَلَمَّا كَانَ مُفْتِيًا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْفِيَ مَا لَعَلَّهُ يُقتدَى١ بِهِ فِيهِ فَرُبَّمَا اقْتَدَى بِهِ فِيهِ مَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ، فَيَنْقَطِعُ وَإِنِ اتَّفَقَ ظُهُورُهُ لِلنَّاسِ نَبَّهَ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ؛ إِذْ كَانَ قَدْ فَاقَ النَّاسَ عِبَادَةً وَخُلُقًا، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُدْوَةً؛ فَرُبَّمَا اتُّبِعَ لِظُهُورِ عَمَلِهِ؛ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ؛ كَنَهْيِهِ عَنِ الْوِصَالِ، وَمُرَاجَعَتِهِ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ٢ فِي سَرْدِ الصَّوْمِ٣.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّم} [الْحُجُرَاتِ: ٧] .

وَأَمَرَ بِحَلِّ٤ الْحَبْلِ الْمَمْدُودِ بَيْنَ الساريتين٥.


= الاجتهاد مع الأدلة معتمدًا على الرازي، واختار المصنف قولًا آخر، وهو صحيح من حيث الجملة وعلى وجه العموم، وإلا يلزم في كثير من المسائل القول إما بالأخف أو الأثقل، والمرجح النص والدليل؛ نعم، يظهر أهمية كلام المصنف في مجمل ما يفتي به؛ المطلوب ما قرر، على الرغم من صبغ فقه ابن عباس بالترخص في كثير من المسائل، وصبغ فقه ابن عمر بالتشدد في كثير من المسائل، وقصة المنصور مع مالك، وذكره هذا أمر مشهور، ولكن في صحتها نظر كبير، ولتحقيق ذلك موطن آخر.
وانظر في المسألة: "المحصول" "٦/ ١٥٩-١٦٠"، و"شرح المحلي على جمع الجوامع" "٢/ ٣٥٢".
١ في "ط": "أن يقتدى".
٢ كان المراجعة لعبد الله بن عمرو بن العاص لا لعمرو نفسه. "د".
٣ مضى تخريجه ذلك "٢/ ٢٤٠"، وهو صحيح.
٤ حبل وضعته زينب أم المؤمنين رضي الله عنها حتى إذا فترت تعلقت به. "د".
قلت: مضى تخريج ذلك "١/ ٥٢٨"، وهو صحيح.
٥ أي: ليتعلقوا به خشية النوم. "ف" و"م".

<<  <  ج: ص:  >  >>