للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّ الطَّعْنَ فِي مَسَاقِ التَّرْجِيحِ يُبَيِّنُ١ الْعِنَادَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ٢ الْمَطْعُونِ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُ فِي دَوَاعِي التَّمَادِي وَالْإِصْرَارِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي غُضَّ مِنْ جَانِبِهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ خِلَافَ ذَلِكَ حَقِيقٌ بِأَنْ يَتَعَصَّبَ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَيُظْهِرَ مَحَاسِنَهُ؛ فَلَا يَكُونُ لِلتَّرْجِيحِ الْمَسُوقِ هَذَا الْمَسَاقَ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ بِالْتِزَامِ [الْمَذْهَبِ] ٣، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا؛ فَكَأَنَّ٤ التَّرْجِيحَ لَمْ يَحْصُلْ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا التَّرْجِيحَ مغرٍ بِانْتِصَابِ الْمُخَالِفِ لِلتَّرْجِيحِ بِالْمِثْلِ أَيْضًا؛ فَبَيْنَا نَحْنُ نتتبع المحاسن٥ صرنا نتتبع القبائح [من المجانبين] ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الِانْتِصَارِ لِأَنْفُسِهَا وَمَذَاهِبِهَا وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا؛ فَمَنْ غَضَّ مِنْ جَانِبِ صَاحِبِهِ غَضَّ صَاحِبُهُ مِنْ جَانِبِهِ؛ فَكَأَنَّ الْمُرَجِّحَ لِمَذْهَبِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غاضٌّ مِنْ جَانِبِ مَذْهَبِهِ؛ فَإِنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ". قَالُوا: وَهَلْ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ" ٦؛ فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ أَشْيَاءَ مِنَ الْجَائِزَاتِ٧ لِإِفْضَائِهَا إِلَى الْمَمْنُوعِ؛ كَقَوْلِهِ: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [الْبَقَرَةِ: ١٠٤] .

وَقَوْلِهِ: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه} الآية [الأنعام: ١٠٨] .

وأشباه ذلك.


١ أي: يثيره. "د". قلت: في "ط": "يثير".
٢ في الأصل: "المذاهب".
٣ سقط من "د"، وفي الأصل: "المذاهب".
٤ كذا في "ط"، وفي غيره: "فإن".
٥ أي: لترجُّحٍ بها صار كل منا يبحث عن القبائح عند الآخر، يزعم أن ذلك يرجح مذهبه. "د".
٦ مضى تخريجه "٣/ ٧٦".
٧ أي: فما بالك بالممنوعات؟ "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>