- حَالٌ دُنْيَوِيٌّ، بِهِ يُقِيمُ مَعَاشَهُ وَيَتَنَاوَلُ مَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ حُظُوظِ نَفْسِهِ.
- وَحَالٌ أُخْرَوِيٌّ، بِهِ يُقِيمُ أَمْرَ آخِرَتِهِ.
فَأَمَّا هَذَا الثَّانِي؛ فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ، وَغَيْرُ مُحْتَمِلٍ إِلَّا فِي الْقَلِيلِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالنَّوَادِرِ.
وَأَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَهُوَ مَثَارُ الِاحْتِمَالِ، فَالْمُبَاحُ مَثَلًا يُمْكِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ حَيْثُ حَظِّ نَفْسِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ حَيْثُ حَقِّ رَبِّهِ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، فَإِذَا عَمِلَهُ وَلَمْ يُدرَ وَجْهَ أَخْذِهِ؛ فَالْمُقْتَدِي بِهِ بِنَاءً عَلَى تَحْسِينِ ظَنِّهِ بِهِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا عَمِلَهُ مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ وَمُتَعَبِّدًا لَهُ بِهِ؛ فَيَعْمَلُ بِهِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ إِلَّا تَحْسِينُ ظَنِّهِ بِالْمُقْتَدَى بِهِ، لَيْسَ له أصل يبني عَلَيْهِ؛ إِذْ يَحْتَمِلُ احْتِمَالًا قَوِيًّا أَنْ يَقْصِدَ الْمُقْتَدَى بِهِ نَيْلَ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ حَظِّهِ؛ فَلَا يُصَادِفُ قَصْدَ الْمُقْتَدِي مَحَلًّا، بَلْ إِنْ صَادَفَ صَادَفَ أَمْرًا مُبَاحًا صَيَّرَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ، وَالْمُبَاحُ لَا يَصِحُّ التَّقَرُّبُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ.
بَلْ نَقُولُ: إِذَا وَقَفَ الْمُقْتَدَى بِهِ وَقْفَةً، أَوْ تَنَاوَلَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهٍ، أَوْ قَبَضَ [عَلَى] لِحْيَتِهِ فِي وَقْتٍ مَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَأَخَذَ هَذَا الْمُقْتَدِي يَفْعَلُ مِثْلَ فِعْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْعِبَادَةَ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى دُنْيَوِيٍّ أَوْ غَافِلًا؛ كَانَ هَذَا الْمُقْتَدِي مَعْدُودًا مِنَ الْحَمْقَى وَالْمُغَفَّلِينَ؛ فَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسْأَلَةِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهُ دِرْهَمٌ مَثَلًا، فَأَعْطَاهُ صَدِيقًا لَهُ؛ لِصَدَاقَتِهِ١، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْفِقَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَصْنَعَ بِهِ مُبَاحًا أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ؛ فَيَقُولُ الْمُقْتَدِي: حُسْنُ الظَّنِّ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ [كَانَ] يَتَصَدَّقُ بِهِ، لَكِنْ آثَرَ بِهِ عَلَى نفسه في هذا الأمر
١ أي: لا لفقر مثلًا. "د".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute