للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلِّيٍّ وَاحِدٍ وَكَانَ مَوْضُوعُهُمَا وَاحِدًا؛ إِلَّا أَنَّ لَهُ اعْتِبَارَيْنِ.

فَالْجُزْئِيَّانِ أَمْثِلَتُهُمَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ مَرَّ مِنْهَا١ وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ الْمَيْلُ وَنَحْوُهُ فِي تَحْدِيدِ طَلَبِ الْمَاءِ لِلطُّهُورِ؛ فَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَشَقَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصٍ فَيُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَلَا يَشُقُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى آخَرَ فَيُمْنَعُ مِنَ التَّيَمُّمِ؛ فَقَدْ تَعَارَضَ عَلَى الْمَيْلِ دَلِيلَانِ، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصَيْنِ، وَهَكَذَا رُكُوبُ الْبَحْرِ٢ يُمْنَعُ مِنْهُ بَعْضٌ وَيُبَاحُ لِبَعْضٍ، وَالزَّمَانُ وَاحِدٌ، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَالْغَرَقِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا التَّعَارُضُ فِي الْكُلِّيَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ؛ فَلْنَذْكُرْ لَهُ مِثَالًا عَامًّا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا سِوَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وصف الدنيا بوصفين كالمتضادين٣:


١ أي: كما في المسائل التي أشار إليها فيما يستثنيه المجتهد في تحقيق المناط الخاص وما ذكر معه. "د".
٢ انظر تفصيل ذلك مع الأدلة في: "مصنف ابن أبي شيبة" "٤/ ١٣٥ و٥/ ٣٣٦"، و"مصنف عبد الرزاق" "١١/ ١٤٩"، و"سنن سعيد بن منصور" "٢/ ١٨٥-١٨٧"، و"السنن الكبرى" "٤/ ٣٣٤-٣٣٥" للبيهقي، و"مجمع الزوائد" "٤/ ٦٤"، و"فتح الباري" "٤/ ٢٢٩"، و"القرى لقاصد أم القري" "٦٧-٦٨"، و"تفسير القرطبي" "٢/ ١٩٠ و٧/ ٣٤١"، و"أحكام القرآن" "١/ ١٣١" للجصاص، و"إتحاف السادة المتقين" "٤/ ٥١٣"، وكتابنا "المروءة" "ص١٠٨ - ط الأولى"، وغيرهما كثير، وانظر ما مضى "١/ ٣٣١".
٣ وإنما كان هذان الوصفان كليين لأنهما في معنى "كل ما اشتملت عليه الحياة الدنيا مذموم"، "وكل ما اشتملت عليه الحياة الدنيا ممدوح ونافع"، وإنما لم يجعلهما متضادين حقيقة لوجود الاعتبارين المشار إليهما أيضًا؛ فإن ما ذكر من الآيات والأحاديث ليس صريحًا في الوصفين المذكورين، ولكنه يفهم منه ذلك، ولذا قال: "يقتضي"، ووسط الوجهين المذكورين في كل منهما كمقدمة ينتقل الذهن منها إلى وصف الذم، ثم بين التضاد بين الوجوه المقتضية للوصفين، وسيأتي له بعد تمام البيان أن يقول: "فالوصفان إذن متضادان". "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>