للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ.

وَإِلَى هَذَا١؛ فَأَنْتَ تَرَى مَا يَنْشَأُ بَيْنَ الْخُصُومِ وَأَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ مِنْ تَشَعُّبِ الِاسْتِدْلَالَاتِ، وَإِيرَادِ الْإِشْكَالَاتِ عَلَيْهَا بِتَطْرِيقِ٢ الِاحْتِمَالَاتِ؛ حتى لا تجد عندهم بسبب ذلك دليل يُعْتَمَدُ لَا قُرْآنِيًّا وَلَا سُنِّيًّا، بَلِ انْجَرَّ هَذَا الْأَمْرُ إِلَى الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ؛ فاطَّرحوا فِيهَا الْأَدِلَّةَ الْقُرْآنِيَّةَ وَالسُّنِّيَّةَ لِبِنَاءِ كَثِيرٍ مِنْهَا عَلَى أُمُورٍ عَادِيَّةٍ؛ كَقَوْلِهِ [تَعَالَى] ٣: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ} الْآيَةَ [الرُّومِ: ٢٨] .

وَقَوْلِهِ: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ} [الْأَعْرَافِ: ١٩٥] .

وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

وَاعْتَمَدُوا عَلَى مقدمات عقلية غير بديهة٤ وَلَا قَرِيبَةٍ مِنَ البديهيَّة٥، هَرَبًا مِنَ احْتِمَالٍ يَتَطَرَّقُ فِي الْعَقْلِ لِلْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ؛ فَدَخَلُوا فِي أَشَدَّ مِمَّا مِنْهُ فرُّوا، وَنَشَأَتْ مَبَاحِثُ لَا عَهْدَ لِلْعَرَبِ بِهَا وَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا بِالشَّرِيعَةِ؛ فَخَالَطُوا الْفَلَاسِفَةَ فِي أَنْظَارِهِمْ، وَبَاحَثُوهُمْ فِي مَطَالِبِهِمُ الَّتِي لَا يَعُودُ الْجَهْلُ بِهَا عَلَى الدِّينِ بِفَسَادٍ، وَلَا يَزِيدُ الْبَحْثُ فِيهَا إِلَّا خَبَالًا، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلُّهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ فِي الْعِبَارَاتِ وَمَعَانِيهَا الْجَارِيَةِ فِي الْوُجُودِ.

وَقَدْ مَرَّ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَجَارِيَ الْعَادَاتِ قَطْعِيَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنَّ طُرَقَ الْعَقْلِ إِلَيْهَا احْتِمَالًا؛ فَكَذَلِكَ الْعِبَارَاتُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْوَضْعِ٦ الْخِطَابِيِّ تُمَاثِلُهَا أو تقاربها.


١ أي: ويضم إلى هذه الوجوه الخمسة على سماع الاعتراض على الظاهر تلك المفاسد. "د".
٢ في "ماء": "لتطريق".
٣ زيادة من "م" و"ط".
٤ في "د": "بديهة".
٥ في "د": "البديهة".
٦ في "ط": "الموضع".

<<  <  ج: ص:  >  >>