للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان قوله عليه الصلاة نالسلام: "وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ" ١ مُسَلَّمًا؛ لِأَنَّهُ نَصُّ النَّبِيِّ؛ لَمْ يَعْتَرِضْ فِيهِ الْمُخَالِفُ، بَلْ قَابَلَهُ بِالتَّسْلِيمِ، واعترض القاعدة بعدم٢ الطراد، وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، لَا أَنَّهُ قَصَدَ قَصْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ.

وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْطِيِّ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٢] ؛ لِأَنَّ "لُو" لِمَا سَيَقَعُ٣ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ؛ فَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهَا٤ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَصْدًا، وَهُوَ مَعْنَى تَفْسِيرِ سِيبَوَيْهِ٥، وَنَظِيرُهَا٦ "إنْ"؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ ارْتِبَاطَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فِي التَّسَبُّبِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا فِي صَرِيحِ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ فَلَا احْتِيَاجَ إِلَى ضَوَابِطِ الْمَنْطِقِ فِي تَحْصِيلِ الْمُرَادِ فِي الْمَطَالِبِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى- وَاللَّهُ أعلم- أشار الباجي في "أحكام الفصول"٧


١ مضى تخريجه "٤/ ٣٦٠".
٢ أي: القائلة: لا تصح النتيجة ... إلخ. "د".
٣ عبارة سيبويه: "لما كان سيقع لوقوع غيره". "د".
٤ أي: فلا يؤتى بعدها بقضية استثنائية لنقيض التالي حتى يرفع المقدم، ولا لعين المقدم ليثبت التالي. "د".
٥ في كتابه "الكتاب" "٢/ ٣٣٢".
٦ أما المناطقة؛ ففرقوا بينهما بأن استعمال "لو" لما يستثنى فيه نقيض التالي؛ لأنها وضعت لتعليق العدم بالعدم، واستعمال "إن" لما يستثنى فيه عين المقدم؛ لأنها وضعت لتعليق الوجدود بالوجود، والله أعلم. "د".
٧ ففيه "ص٥٢٩-٥٣١، فقرة رقم ٥٦٧، ٥٦٨" ما نصه: "وقد زعمت الفلاسفة أن القياس لا يصح ولا يتم من مقدمة واحدة، لا يكون عنها نتيجة، وإنما ينبني القياس من مقدمتين فصاعدًا؛ إحداهما قول القائل: "كل حي قادر" والثانية: "كل قادر فاعل"، والمقدمة عندهم مقال موجب شيئًا لشيء أو سالب شيئًا عن شيء؛ فالموجب كقولنا: "كل حي قادر"، والسالب كقولنا: =

<<  <  ج: ص:  >  >>