للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَصْدُ مَقْصُورًا عَلَى كَوْنِهِ مُبَاحًا، فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، أَوْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ؛ فَذَلِكَ الْأَمْرُ إِنْ كَانَ دُنْيَوِيًّا كَالْمَتْرُوكِ؛ فَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ مُبَاحٍ إِلَى مِثْلِهِ لَا زُهْدٌ، وَإِنْ كَانَ أُخْرَوِيًّا؛ فَالتَّرْكُ إِذًا وَسِيلَةٌ إِلَى ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ؛ فَهُوَ فَضِيلَةٌ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ، لَا مِنْ جِهَةِ مُجَرَّدِ التَّرْكِ، وَلَا نِزَاعَ فِي هَذَا.

وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَهُ الْغَزَّالِيُّ؛ إِذْ قَالَ١: "الزُّهْدُ عِبَارَةٌ عَنِ انْصِرَافِ الرَّغْبَةِ عَنِ الشَّيْءِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ"، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُجَرَّدَ الِانْصِرَافِ عَنِ الشَّيْءِ خَاصَّةً، بَلْ بِقَيْدِ الِانْصِرَافِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: "وَلَمَّا كَانَ الزُّهْدُ رَغْبَةً عَنْ مَحْبُوبٍ بِالْجُمْلَةِ؛ لَمْ يُتَصَوَّرْ إِلَّا بِالْعُدُولِ إِلَى شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ مِنْهُ، وَإِلَّا؛ فَتَرْكُ الْمَحْبُوبِ لِغَيْرِ الْأَحَبِّ مُحَالٌ"٢. ثُمَّ ذَكَرَ أَقْسَامَ الزُّهْدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الزُّهْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُبَاحِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ عَلَى حَالٍ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْمُعْتَبِرِينَ؛ فَهُوَ دَائِرٌ عَلَى هَذَا الْمَدَارِ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا كَوْنُ الْمُبَاحِ غَيْرَ مَطْلُوبِ الْفِعْلِ؛ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ٣؛ لِأَنَّ كِلَا الطَّرَفَيْنِ مِنْ جِهَتِهِ فِي نَفْسِهِ عَلَى سواء.


١ في "إحياء علوم الدين" "٤/ ٢١٦".
٢ "٤/ ٢١٧".
٣ يجري فيه الدليل الأول لا الثاني، ويجري فيه الثالث باعتبار قوله: "ولا معقول في نفسه"، لا باعتبار قوله: "غير صحيح باتفاق"؛ لأنه في الترك غير متفق عليه، ولا يجري فيه الخامس، ويجري فيه السادس، وقد أعاده هنا بقوله: "أحدها"؛ لأنه احتاج هنا إلى كلام فيه وإلى رد على الكعبي ليس محله هناك، ويجري فيه الشق الأخير من الدليل السابع؛ فصح قوله: "يدل عليه كثير مما تقدم"، وعليك بالنظر في تطبيق ذلك. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>