للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْجَوَابُ أَنْ لَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إِلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ، وَهَذَا النَّظَرُ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهُ بِالْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ فِي نَفْسِهِ؛ فَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ هُنَا الْمُبَاحَ بِالْجُزْءِ، وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ بِحَسَبِ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ؛ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَطْلُوبِ بِالْكُلِّ١، فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ الْحَسَنَ مَثَلًا مُبَاحُ اللُّبْسِ، قَدِ اسْتَوَى فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ؛ فَلَا قَصْدَ لَهُ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا مَعْقُولٌ وَاقِعٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْمُقْتَصَرِ بِهِ عَلَى ذَاتِ الْمُبَاحِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ -مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ وِقَايَةٌ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَمُوَارٍ لِلسَّوْأَةِ، وَجَمَالٌ فِي النَّظَرِ- مَطْلُوبُ الْفِعْلِ، وَهَذَا النَّظَرُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ, وَلَا بِهَذَا الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ؛ فَهُوَ نَظَرٌ بالكل لا بالجزء.

المسألة الرابعة: انواع المباح

إِذَا قِيلَ فِي الْمُبَاحِ: إِنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ -وَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْإِطْلَاقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ- فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّا إِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ فَهْمِنَا مِنَ الشَّرِيعَةِ الْقَصْدَ إِلَى التَّفْرِقَةِ:

فَالْقِسْمُ الْمَطْلُوبُ الْفِعْلِ بِالْكُلِّ هُوَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَةِ: ٢٢٣] .

وَقَوْلِهِ: {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} [البقرة: ٣٥] .


١ يعني مثلا، وإلا؛ فالنظر إليه بالأمور الخارجية يجعله؛ إما من هذا، وإما من المسمى بالمطلوب الترك بالكل كما تقدم في اللهو، وبالجملة؛ فهذه المسألة لم تقرر قاعدة وأصلا زائدة على ما تقدم في المسألة قبلها، بل هي زيادة إيضاح لمسلك فهم مغايرة حكم الكلي للجزئي، وذلك باعتبار ضابط هو الخدمة، فما يخدمه الجزئي يأخذ هو حكمه؛ فيقال فيما يخدم المطلوب: مطلوب بالكل، وما يخدم المنهي عنه يقال: مطلوب الترك بالكل، وكان يمكنه إدماجها في أثناء سابقتها؛ فتأمل. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>