للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الْحَجِّ: ٣٦] ، أَوْ قَالَ: "اكْسُوَا الْعَارِيَ" ١، أَوْ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: ١٩٥] ؛ فَمَعْنَى ذَلِكَ طَلَبُ رَفْعِ الْحَاجَةِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ بِحَسَبِهَا، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مِقْدَارٍ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ حَاجَةٌ؛ تَبَيَّنَ مِقْدَارُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهَا، بِالنَّظَرِ لَا بِالنَّصِّ، فَإِذَا تَعَيَّنَ جَائِعٌ؛ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِطْعَامِهِ وَسَدِّ خَلَّتِهِ، بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ أَطْعَمَهُ مَا لَا يَرْفَعُ عَنْهُ الْجُوعَ؛ فَالطَّلَبُ بَاقٍ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ كَافٍ وَرَافِعٌ لِلْحَاجَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أُمِرَ ابْتِدَاءً، وَالَّذِي هُوَ كَافٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّاعَاتِ وَالْحَالَاتِ فِي ذَلِكَ الْمَعَيَّنِ، فَقَدْ يَكُونُ فِي الْوَقْتِ غَيْرَ مُفْرِطِ الْجُوعِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مِقْدَارٍ مِنَ الطَّعَامِ، فَإِذَا تَرَكَهُ حَتَّى أَفْرَطَ عَلَيْهِ؛ احْتَاجَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَقَدْ يُطْعِمُهُ آخَرُ فَيَرْتَفِعُ عَنْهُ الطَّلَبُ رَأْسًا، [وَقَدْ يُطْعِمُهُ آخَرُ مَا لَا يَكْفِيهِ، فَيُطْلَبُ هَذَا بِأَقَلَّ مِمَّا كَانَ مَطْلُوبًا بِهِ] ٢.

فَإِذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ بِهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ؛ لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلتَّرْتِيبِ فِي الذِّمَّةِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ يُطْلَبُ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ مَجْهُولًا؛ فَلَا يَكُونُ مَعْلُومًا إِلَّا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ بِحَسَبِ النَّظَرِ، لَا بِمُقْتَضَى النَّصِّ، فَإِذَا زَالَ الْوَقْتُ الْحَاضِرُ؛ صَارَ فِي الثَّانِي مُكَلَّفًا بِشَيْءٍ آخَرَ لَا بِالْأَوَّلِ، أَوْ سَقَطَ٣ عَنْهُ التَّكْلِيفُ إِذَا فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْحَاجَةِ الْعَارِضَةِ.

وَالثَّانِي:

أَنَّهُ لَوْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ أَمْرٌ؛ لَخَرَجَ إِلَى مَا لَا يُعْقَلُ؛ لِأَنَّهُ في كل وقت


١ لم أظفر به بهذا اللفظ، وله شواهد كثيرة تؤيد معناه، وأقرب الألفاظ له ما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "٨/ ٤٣٨/ رقم ١٧٩٣٣" ضمن حديث طويل مرسل، فيه: "واكسوهم ولا تعروهم ".
٢ ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
٣ أي: فكيف يتأتى الاستقرار في الذمة والأمر يختلف باختلاف الحال والزمان بين سقوط المكلف به رأسا، وبين تغير المكلف به قلة وكثرة؟ "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>