للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهَا رَاجِعٌ إِلَى رَفْعِ حُكْمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْحَرَجِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي؛ إِمَّا الْجَوَازَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ، وَإِمَّا رَفْعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنَ الذَّمِّ وَتَسْبِيبِ الْعِقَابِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ رَفْعِ آثَارِهِمَا لِمُعَارِضٍ، فَارْتَفَعَ الْحُكْمُ بِمَرْتَبَةِ الْعَفْوِ، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسَةِ، وَفِي هَذَا الْمَجَالِ أَبْحَاثٌ أُخَرُ.

فَصْلٌ:

وَلِلنَّظَرِ فِي ضَوَابِطِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَفْوِ -إِنْ قِيلَ بِهِ- نَظَرٌ؛ فإن الاقتصار به على محال النصوص نزعة ظَاهِرِيَّةٌ، وَالِانْحِلَالُ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَرْقٌ لَا يُرَقَّعُ، وَالِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى بَعْضِ الْمَحَالِّ دُونَ بَعْضٍ تَحَكُّمٌ يَأْبَاهُ الْمَعْقُولُ وَالْمَنْقُولُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ وَجْهٍ يُقْصَدُ نَحْوُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ بِحَوْلِ اللَّهِ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ١ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: الْوُقُوفُ مَعَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ قُصِدَ نَحْوُهُ٢ وَإِنْ قَوِيَ مُعَارِضُهُ.

وَالثَّانِي: الْخُرُوجُ عَنْ مُقْتَضَاهُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ عَنْ قَصْدٍ لَكِنْ بِالتَّأْوِيلِ.

وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْ حُكْمِهِ رَأْسًا.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ حُكْمُ الرُّخْصَةِ ظَاهِرًا، فَإِنَّ٣ الْعَزِيمَةَ لَمَّا تُوُخِّيَتْ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ أَوِ الْإِطْلَاقِ؛ كَانَ الْوَاقِفُ مَعَهَا وَاقِفًا عَلَى دَلِيلٍ مِثْلِهِ مُعْتَمَدٍ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ بِالرُّخْصَةِ وَإِنْ


١ في "م" زيادة: "أنه".
٢ الواو للحال، وأن زائدة. "د".
٣ في "د": "إن" بدون الفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>