للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ زَمَانًا جَاهِلَةً بِالْعَمَلِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا فِيمَا تَرَكَتْ، قَالَ فِي "مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ": لَوْ طَالَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالنُّفَسَاءِ الدَّمُ، فَلَمْ تُصَلِّ النُّفَسَاءُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا الْمُسْتَحَاضَةُ شَهْرًا؛ لَمْ يَقْضِيَا مَا مَضَى -إِذَا تأولتا فِي١ تَرْكِ الصَّلَاةِ دَوَامَ مَا بِهِمَا مِنَ الدَّمِ- وَقِيلَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: إِذَا تَرَكَتْ بَعْدَ أَيَّامِ أَقْرَائها يَسِيرًا أَعَادَتْهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا؛ فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ بِالْوَاجِبِ، وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهَا إِذَا تَرَكَتِ الصَّلَاةَ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ جَاهِلَةً لَا تَقْضِي صَلَاةَ تِلْكَ الْأَيَّامِ. وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهَا الْقَضَاءَ؛ فَهَذَا كُلُّهُ مُخَالَفَةٌ لِلدَّلِيلِ مَعَ الْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ؛ فَجَعَلُوهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَفْوِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْمُسَافِرُ يَقْدَمُ٢ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَيَظُنُّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا صَوْمَ لَهُ، أَوْ تَطْهُرُ الْحَائِضُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ فَتَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، فَلَا كَفَّارَةَ هُنَا، وَإِنْ خَالَفَ الدَّلِيلَ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ، وَإِسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ هُوَ٣ مَعْنَى الْعَفْوِ.

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا هُوَ مسكوت عن حكمه فيه نَظَرٌ، فَإِنَّ خُلُوَّ بَعْضِ الْوَقَائِعِ عَنْ حُكْمٍ لِلَّهِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ٤، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بصحة


١ تصحفت في "د": "تأولنا" بالنون.
٢ تأمل لتدرك الفرق بين هذه الأمثلة وما مضى فيمن سافر أقل من أربعة برد، حيث كان من الأول الواقف مع مقتضى الدليل المعارض بقوي، وبين هذا الخارج عن الدليل متأولا؛ فالفرق غير ظاهر. "د".
٣ ولِمَ لم نقل: وإسقاط الإثم أيضا، وكأنه بان على ما سبق له آنفا من أن الكلام في الأحكام الدنيوية، وقد علمت أن هذا لا يطرد في أصل المسألة، وأمثلته الكثيرة لها، بل وتصريحه سابقا بقوله: "ورفع الحرج والمغفرة". "د".
٤ لا يحق لأحد بعد التفقه في قوله تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} , وَقَوْلِهِ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ، أن يذهب إلى أن يكون بعض الوقائع خاليا من الحكم الشرعي على معنى أن الشريعة أهملته إهمالا مطلقا، بحيث لم تصب دليلا أو تضع أمارة تنبه بها المكلف على مقصدها فيه؛ هل هو الإيجاب، أو الحظر، أو رفع الحرج؟ ولم يبق سوى أن من يقول في الوقائع ما يخلو عن الحكم إنما يقصد عدم نصب دليل يخصه أو يخص نوعه، وهو المسكوت عنه الذي عرف بأدلة عامة أن الشريعة تصدت رفع الحرج فيه عن المكلفين، ورأت طائفة إلى أن الأدلة العامة تجعله من قبيل المحظور. "خ".

<<  <  ج: ص:  >  >>