للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَفْوِ، وَالنَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ هَذَا الْمَعْنَى؛ لِوُجُودِ جُمْلَةٍ مِنْهُ بَاقِيَةٍ إِلَى الْآنَ عَلَى حُكْمِ إِقْرَارِ الْإِسْلَامِ؛ كَالْقِرَاضِ، وَالْحُكْمِ فِي الْخُنْثَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ.

وَالثَّالِثُ:

كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمَا؛ إِلَّا مَا غَيَّرُوا؛ فَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ؛ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، وَيُطَلِّقُونَ، وَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا، وَيَمْسَحُونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيُلَبُّونَ، وَيَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، وَيَأْتُونَ مُزْدَلِفَةَ، وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ، وَيُعَظِّمُونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَيُحَرِّمُونَهَا، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيُغَسِّلُونَ مَوْتَاهُمْ وَيُكَفِّنُونَهُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَيَقْطَعُونَ السَّارِقَ، وَيَصْلُبُونَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ فِيهِمْ مِنْ بَقَايَا مِلَّةِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ؛ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ؛ فَبَقُوا عَلَى حُكْمِهِ حَتَّى أَحْكَمَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ مَا أَحْكَمَ، وَانْتَسَخَ مَا خَالَفَهُ؛ فَدَخَلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ١ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ مِمَّا لَمْ يَتَجَدَّدْ فِيهِ خِطَابٌ زِيَادَةً عَلَى التَّلَقِّي مِنَ الْأَعْمَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَدْ نُسِخَ مِنْهَا مَا نُسِخَ، وأُبقي مِنْهَا مَا أُبْقِي عَلَى الْمَعْهُودِ الْأَوَّلِ.

فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْبَسْطِ مَوَاقِعُ الْعَفْوِ فِي الشَّرِيعَةِ وَانْضَبَطَتْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَقْرَبِ مَا يَكُونُ إِعْمَالًا لِأَدِلَّتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ؛ إِلَّا أَنَّهُ بَقِيَ النَّظَرُ فِي الْعَفْوِ؛ هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قِيلَ حُكْمٌ؛ فَهَلْ يَرْجِعُ إِلَى خِطَابِ التكليف أم خِطَابِ الْوَضْعِ؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ كُلُّهُ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حُكْمٌ عَمَلِيٌّ؛ لَمْ يَتَأَكَّدِ الْبَيَانُ فِيهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ، والله الموفق للصواب.


١ مما استمروا عليه مدة ثم نسخ."د".

<<  <  ج: ص:  >  >>