للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلْكَ التَّهْيِئَةَ؛ فَلَا يَأْتِي زَمَانُ التَّعَقُّلِ إِلَّا وَقَدْ نَجَمَ١ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا فُطِرَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِيَّتِهِ، فَتَرَى وَاحِدًا قَدْ تَهَيَّأَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَآخَرَ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ، وَآخَرَ لِلتَّصَنُّعِ بِبَعْضِ الْمِهَنِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا, وَآخَرَ لِلصِّرَاعِ وَالنِّطَاحِ، إِلَى سَائِرِ الْأُمُورِ.

هَذَا وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْ غُرِزَ فِيهِ التَّصَرُّفُ الْكُلِّيُّ؛ فَلَا بُدَّ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ مِنْ غَلَبَةِ الْبَعْضِ عَلَيْهِ؛ فَيَرِدُ التَّكْلِيفُ عَلَيْهِ مُعَلِّمًا مُؤَدِّبًا فِي حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْتَهِضُ الطَّلَبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي نَفْسِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ بِمَا هُوَ نَاهِضٌ فِيهِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى النَّاظِرِينَ فِيهِمُ الِالْتِفَاتُ إِلَى تِلْكَ الْجِهَاتِ؛ فَيُرَاعُونَهُمْ بِحَسْبِهَا وَيُرَاعُونَهَا [إِلَى] ٢ أَنْ تَخْرُجَ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيُعِينُونَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الدَّوَامِ فِيهَا؛ حَتَّى يَبْرُزَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيمَا غَلَبَ عَلَيْهِ وَمَالَ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْخُطَطِ٣، ثُمَّ يُخَلَّى٤ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِهَا، فَيُعَامِلُونَهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ لِيَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، إِذَا صَارَتْ لَهُمْ كَالْأَوْصَافِ الْفِطْرِيَّةِ، وَالْمُدْرَكَاتِ الضَّرُورِيَّةِ؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ، وَتَظْهَرُ نَتِيجَةُ تِلْكَ التَّرْبِيَةِ.

فَإِذَا فُرِضَ -مَثَلًا- وَاحِدٌ مِنَ الصِّبْيَانِ ظَهَرَ عَلَيْهِ حُسْنُ إِدْرَاكٍ، وَجَوْدَةُ فَهْمٍ، وَوُفُورُ حِفْظٍ لِمَا يَسْمَعُ -وَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْصَافِ- مِيلَ بِهِ نَحْوَ ذَلِكَ الْقَصْدِ, وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُرَاعَاةً لِمَا يُرْجَى فِيهِ مِنَ الْقِيَامِ بِمَصْلَحَةِ التَّعْلِيمِ فَطُلِبَ بِالتَّعَلُّمِ وَأُدِّبَ بِالْآدَابِ الْمُشْتَرَكَةِ بِجَمِيعِ الْعُلُومِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُمَالَ مِنْهَا إِلَى بَعْضٍ فَيُؤْخَذَ بِهِ، وَيُعَانَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ رَبَّانِيُّو الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فمال


١ أي: ظهر. انظر: "لسان العرب" "ن ج م".
٢ ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.
٣ أي: الأمور والأحوال. انظر: "لسان العرب" "خ ط ط".
٤ في الأصلي: "تخلي".

<<  <  ج: ص:  >  >>