للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الْوَاقِعَةِ: ٥٨، ٥٩] .

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} ١ [الْوَاقِعَةِ: ٦٣] .

{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} [الواقعة: ٦٨] .

{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة: ٧١] .


١ {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} ؛ أي: تنبتونه أم نحن المنبتون المثمرون له؟ والآيات الثلاث الأولى واضحة في البيان هنا؛ لأن في كل منها نسبة التسبب للعبد، وإنكار أن يكون له إيجاد للمسبب، بل الموجد هو الله، أما الآية بعدها؛ فليست مما تعلق به كسب للعبد مطلقا، لا في تسبب ولا غيره؛ لأن الإنزال من المزن -وهو محل الغرض- لا شأن لنا به ولا تسببا، فلو كان الكلام في الري المسبب عن الشرب وكانت الآية: "أأنتم تخلقون الري أم نحن الخالقون"؛ لكانت الآية مما نحن فيه؛ فتأمل، وانظر في الآية التي بعدها أيضا، وعليك بالتأمل في صنيعه لتعرف السبب في هذا الأسلوب: جعل الآيات الأولى دليلا وبدأ بها وعلق عليها أولا، ثم ذكر الآيات الأخيرة قائلا: "ومما يبينه" دخولا عليه، وقال بعد الحديثين: "فيهما بيان لما تقدم", وخذ نموذجا لطريق التأمل مثلا:
الآية الأولى: فيها نفي التكليف بالمسبب صراحة: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} مع العلم بطلب الرزق والتسبب فيه لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة.
الآية الثانية: حصر الرزق في كونه عليه تعالى؛ فطبعا لا يكلف به غيره.
الآية الثالثة: جعل الرزق في السماء على ما هو ظاهرها، وليس في متناول العبد؛ فلا يكلف به، مع أنه طلب بالتسبب إلى الرزق.
أما الآيات الأخرى؛ فنسب الخلق إليه تعالى لا للعبد, ويلزمه ألا يطلب من العبد؛ فهو ظاهر في أنه لا يكلف به غيره, مع بقاء احتمال أنه سبحانه هو الخالق مع تسبب العبيد فيها ومطالبتهم بذلك التسبب, بخلاف الآيات الأولى؛ ففيها عدم المطالبة بالتسبب صريحة أو كالصريحة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>