للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْضُوعَةِ، وَنَظَرُ صَاحِبِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فِي الْأَسْبَابِ مِثْلُ نَظَرِهِ فِي الْعِبَادَاتِ، يَعْتَبِرُ فِيهَا مُجَرَّدَ الْأَسْبَابِ وَيَدَعُ الْمُسَبَّبَاتِ لِمُسَبِّبِهَا.

وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ:

فَالتَّسَبُّبُ فِيهَا صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا وَإِنْ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى السَّبَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَبَبٌ، وَلَا إِلَى الْمُسَبِّبِ مِنْ بَابٍ أَحْرَى؛ فَلَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ رَاقٍ بِهِ وَمُلَاحَظٌ لِلْمُسَبِّبِ مِنْ جِهَتِهِ، بِدَلِيلِ الْأَسْبَابِ الْعِبَادِيَّةِ، وَلِأَنَّهَا إِنَّمَا صَارَتْ قُرَّةَ عَيْنِهِ لِكَوْنِهَا سُلَّمًا إِلَى الْمُتَعَبِّدِ إِلَيْهِ بِهَا؛ فَلَا فَارِقَ بَيْنَ الْعَادِيَّاتِ وَالْعِبَادِيَّاتِ؛ إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ مَأْخُوذٌ فِي تَجْرِيدِ الْأَغْيَارِ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَرُبَّمَا رَمَى مِنَ الْأَسْبَابِ بِمَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا هُوَ ضَرُورِيٌّ، وَضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَجَالَ فِيهَا، فِرَارًا مِنْ تَكَاثُرِهَا عَلَى قَلْبِهِ؛ حَتَّى يَصِحَّ لَهُ اتِّحَادُ الْوِجْهَةِ، وَإِذَا كَانَتِ الْأَسْبَابُ مُوَصِّلَةً إِلَى الْمَطْلُوبِ؛ فَلَا شَكَّ فِي أَخْذِهَا فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ؛ إِذْ مِنْ جِهَتِهَا يَصِحُّ الْمَطْلُوبُ.

وَأَمَّا السَّادِسَةُ:

فَلَمَّا كَانَتْ جَامِعَةً لِأَشْتَاتِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهَا؛ كَانَ مَا يَشْهَدُ لِمَا قَبْلَهَا شَاهِدًا لَهَا؛ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِيهَا مُعْتَبَرٌ مِنْ جِهَةِ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ، لَا مِنْ جِهَةِ أَمْرٍ آخَرَ؛ فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ أَكَانَ التَّكْلِيفُ ظَاهِرَ الْمَصْلَحَةِ أَمْ غَيْرَ ظَاهِرِهَا؛ كُلُّ ذَلِكَ تَحْتَ قَصْدِ الْعَبْدِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ بِهِ مِمَّا يَرْتَبِطُ بِهِ بَعْضُ الْوُجُودِ أَوْ جميعه؛ كان قصد فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ شَامِلًا لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:

إِيقَاعُ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ إِيقَاعِ الْمُسَبَّبِ، قُصِدَ ذَلِكَ الْمُسَبَّبُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جعل مسبب عَنْهُ فِي مَجْرَى الْعَادَاتِ؛ عُدَّ كَأَنَّهُ فَاعِلٌ لَهُ مُبَاشَرَةً، وَيَشْهَدُ لِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>