للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُكَلَّفِ، وَلَمْ يُكَلَّفْ بِهِ، بَلْ هُوَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَمَنْ قَصَدَهُ؛ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ إِفْرَاطِهِ أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِوُقُوعِهِ بِحَسَبِ غَرَضِهِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى مُقْتَضَى إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا عَلَى وَفْقِ غَرَضِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَقَدْ صَارَ غَرَضُ الْعَبْدِ وَقَصْدُهُ مُخَالِفًا بِالْوَضْعِ لِمَا أُرِيدَ بِهِ، وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مُقْتَضَى الْأَدَبِ، وَمُعَارَضَةٌ لِلْقَدَرِ، أَوْ مَا هُوَ يَنْحُو ذَلِكَ النَّحْوَ.

وَقَدْ جَاءَ فِي "الصَّحِيحِ" التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقُولِهِ, عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ؛ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قدر الله وما شاء الله فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" ١. فَقَدْ نَبَّهَكَ عَلَى أَنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهُ الْتِفَاتٌ إِلَى الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ، كَأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنْهُ أَوْ لَازِمٌ عَقْلًا، بَلْ ذَلِكَ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ إِذْ لَا يُعِينُهُ وُجُودُ السَّبَبِ، وَلَا يُعْجِزُهُ فُقْدَانُهُ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ نُفُوذَ الْقَدْرِ الْمَحْتُومِ هُوَ مَحْصُولُ الْأَمْرِ، وَيَبْقَى السَّبَبُ: إِنْ كَانَ مُكَلَّفًا بِهِ عَمِلَ فِيهِ بِمُقْتَضَى التَّكْلِيفِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي مَقْدُورِهِ، اسْتَسْلَمَ اسْتِسْلَامَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللَّهِ؛ فَلَا يَنْفَتِحُ [عَلَيْهِ] ٢ بَابُ الشَّيْطَانِ، وَكَثِيرًا مَا يُبَالِغُ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، حَتَّى يصير منه


١ أخرجه مسلم في "الصحيح" "كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، ٤/ ٢٠٥٢/ رقم ٢٦٦٤"، وابن ماجه في "السنن" "المقدمة، باب في القدر/ رقم ٧٩، وكتاب الزهد، باب التوكل واليقين/ رقم ٤١٦٨"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "رقم ٦٢٣، ٦٢٤"، وأحمد في "المسند" "٢/ ٣٦٦، ٣٧٠"، والطحاوي في "المشكل" "رقم ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦١، ٢٦٢"، وابن أبي عاصم في "السنة" "رقم ٣٥٦"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "١٠/ ٨٩"، و"الأسماء والصفات" "١/ ٢٦٣" من حديث أبي هريرة, رضي الله عنه.
٢ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>