للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

- وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا الْتَفَتَ إِلَى الْمُسَبَّبَاتِ مَعَ أَسْبَابِهَا رُبَّمَا ارْتَفَعَتْ عَنْهُ إِشْكَالَاتٌ تَرِدُ فِي الشَّرِيعَةِ، بِسَبَبِ تَعَارُضِ أَحْكَامِ أَسْبَابٍ تَقَدَّمَتْ مَعَ أَسْبَابٍ١ أُخَرَ حَاضِرَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مُتَعَاطِيَ السَّبَبِ قَدْ يَبْقَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ تَابَ مِنْهُ؛ فَيَظُنُّ أَنَّ الْمُسَبَّبَ يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ بِرُجُوعِهِ عَنِ السَّبَبِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ.

مِثَالُهُ: مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً ثُمَّ تَابَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا؛ فَالظَّاهِرُ الْآنَ أَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالْخُرُوجِ فَأَخَذَ فِي الِامْتِثَالِ، غَيْرُ عاصٍ وَلَا مُؤَاخَذٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَثِلًا عَاصِيًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مَأْمُورًا مَنْهِيًّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي تَوَسُّطِهِ مُكَلَّفًا بِالْخُرُوجِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ، وَلَا يُمْكِنُ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ النَّهْيِ فِي نَفْسِ الْخُرُوجِ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْهُ حُكْمُ النَّهْيِ فِي الْخُرُوجِ.

وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ٢: هُوَ عَلَى حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِانْفِصَالِهِ عَنِ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَرَدَّ النَّاسُ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَالْإِمَامُ أَشَارَ فِي "الْبُرْهَانِ" إِلَى تَصَوُّرِ هَذَا وَصِحَّتِهِ٣ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ عِصْيَانٌ؛ فَانْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّسَبُّبِ وَإِنِ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ٤، ونظر ذلك بمسائل، وهو


١ أي: مع أحكام أسباب "د".
٢ يراجع المقام في كتب الأصول كالتحرير، وابن الحاجب في مسألة يستحيل كون الشيء الواحد واجبا حراما من جهة واحدة ... إلخ. "د".
٣ بقوله في "البرهان" "٢/ ٩٧".
٤ أي: ولا تتم التوبة إلا بعد الخروج فعلا؛ لأن من شرط قبولها رد التبعات والمظالم. "د". =

<<  <  ج: ص:  >  >>