للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

..........................................................................


= وتحسينيات؛ فهذا صحيح، ولكن ليس صحيحا ما يبنيه الغنوشي على ما يستنبطه الإمام؛ فما أشار إليه الغنوشي من إدخال الحريات العامة؛ كحرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية الملكية في هذه المقاصد؛ إنما هو من أوهامه، والشاطبي تحدث في الضروريات عن حفظ الدين وليس عن حرية العقيدة، وحفظ الدين الذي اعتبره الأصوليون من مقاصد الشريعة استدلوا عليه بأن الشارع قد شرع حدا للمرتد وهو القتل؛ فبهذا يحفظ الدين في شريعة الإسلام، بينما الغنوشي في كتابه يدعي أن مقصد حفظ الدين هو حرية العقيدة، أي بهتان هذا؟!
ثم إنه بعد ذلك يجادل عبثا في هذه المسألة، فيحاول أن يثبت أن عقوبة المرتد عقوبة تعزيرية وليست حدا، استدعتها الظروف السياسية آنذاك -زمن النبي, صلى الله عليه وسلم- وأن ما صدر من النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن الردة وقوله: "من بدل دينه فاقتلوه" كان باعتبار ولايته السياسية ولم يكن تشريعا، وأن قتل المرتد كان يعده خروجا بالقوة على نظام الدولة ومحاولة زعزعته، وكل هذه الدعاوى منه ليست مبنية على أي دليل، وظاهر فيها ريح الحضارة الغربية النتنة؛ فكل هذه المحاولة اليائسة هي ليثبت أن الإسلام يقرر حرية العقيدة، وأن حق الإنسان محترم ومحفوظ في تغيير عقيدته، ومن أراد أقوال الغنوشي؛ فليراجع صفحة "٤٨ و٤٩ و٥٠" من كتابه.
وكذلك ما قاله الغنوشي عن مقصد حفظ العقل؛ فالأصوليون يجعلون حفظ العقل مقصدا، ويستدلون على ذلك بتحريم المسكر وبالعقوبة الشرعية عليه، بينما يذكر الشيخ راشد أن حفظ العقل يتعلق به حق الإنسان في التعليم وحرية التفكير وحرية التعبير، ما العلاقة بين حفظ العقل المستنبط من وضع عقوبة لشارب الخمر وبين حرية التعبير؟ ما هذا؛ أهو عمق في التفكير والاستنباط، أم هو استنتاج جار على مقتضى الأهواء وليس جاريا على حسب مقتضى العقول؟ إنه الاحتمال الأخير بلا شك، والدافع إليه هو موافقة الحضارة الغربية، وهذا النوع من الموافقات مختلف تمام الاختلاف عن "موافقات الشاطبي".
دعوكم من هذا أيها "المفكرون المعاصرون"؛ فإنه ضلال، وهو يسقطكم ولا يرفعكم.
وعلى كل حال؛ فالشاطبي بريء من كل هذا كما بينا سابقا.
وقطعا لكل المحاولات المريبة في تفسير مقصد الشاطبي من تقسيمه المصالح إلى ضرورية وحاجية وتحسينية؛ لا بد من بيان مقصده منها كما بينه هو، ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن الشاطبي لم يكن أول من تناول هذا التقسيم؛ فقد سبقه كثير من الأصوليين كالغزالي والآمدي -رحمهما الله- =

<<  <  ج: ص:  >  >>