للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَكُونُ أَعْمَالُ الْعَادَاتِ بَاطِلَةً أَيْضًا بِمَعْنَى عَدَمِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَكَانَتْ بَاطِلَةً بِالْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؛ فَالْأَوَّلُ كَالْعُقُودِ الْمَفْسُوخَةِ شَرْعًا، وَالثَّانِي كَالْأَعْمَالِ الَّتِي يَكُونُ الْحَامِلُ عَلَيْهَا مُجَرَّدَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ، مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى خِطَابِ الشَّارِعِ فِيهَا؛ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَأَشْبَاهِهَا، وَالْعُقُودِ الْمُنْعَقِدَةِ بِالْهَوَى وَلَكِنَّهَا وَافَقَتِ الْأَمْرَ أَوِ الْإِذْنَ الشَّرْعِيَّ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ، لَا بِالْقَصْدِ إِلَى ذَلِكَ؛ فَهِيَ أَعْمَالٌ مُقَرَّةٌ شَرْعًا لِمُوَافَقَتِهَا لِلْأَمْرِ أَوِ الْإِذْنِ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي الدُّنْيَا؛ فَرُوعِيَ فِيهَا هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ حَيْثُ وَافَقَتْ قَصْدَ الشَّارِعِ فِيهِ, وَتَبْقَى جِهَةُ قَصْدِ الِامْتِثَالِ مَفْقُودَةً؛ فَيَكُونُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ مَفْقُودًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا الْهَوَى الْمُجَرَّدَ، إِنْ وَافَقَتْ قَصْدَ الشَّارِعِ بَقِيَتْ بِبَقَاءِ حَيَاةِ الْعَامِلِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا فَنِيَتْ بِفَنَاءِ الدُّنْيَا وَبَطَلَتْ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النَّحْلِ: ٩٦] .

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشُّورَى: ٢٠] .

{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الْأَحْقَافِ: ٢٠] .

وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ، أَوْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ فَمِنْ هُنَا أَخَذَ مَنْ تَقَدَّمَ بِالْحَزْمِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ أَنْ يُضِيفُوا إِلَيْهَا قَصْدًا يَجِدُونَ بِهِ أَعْمَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وَانْظُرْ في "الإحياء"١ وغيره.


١ انظره "٤/ ٣٧٤" أثناء "بيان أن النية غير داخلة تحت الاختيار".

<<  <  ج: ص:  >  >>