للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ؛ فَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ١ الرُّخْصَةِ وَإِنْ لَمْ تَجْتَمِعْ مَعَهَا فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الرُّخْصَةِ وَإِنِ اسْتُمِدَّتْ مِنْ أَصْلِ الضَّرُورِيَّاتِ، كَالْمُصَلِّي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ؛ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ ضَرُورِيَّةٌ لَا حَاجِيَّةٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَاجِيَّةً إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ فِيهِ أَوْ بِسَبَبِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ.

فَصْلٌ:

وَقَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الرُّخْصَةِ عَلَى مَا وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ التَّكَالِيفِ الْغَلِيظَةِ وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [الْبَقَرَةِ: ٢٨٦] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الْأَعْرَافِ: ١٥٧] .

فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي اللُّغَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْنَى اللِّينِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: "أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- صَنَعَ شَيْئًا تَرَخَّصَ فيه"٢،


١ أي: بغير الإطلاق الأول؛ لأن مثل هذا لا يتعلق به حكم آخر يسمى عزيمة، بل إن صلاته جالسا هي العزيمة؛ فالرخصة بالإطلاق الأول إنما تكون في أصل الحاجيات لا غير، فما كان من التحسينيات أو الضروريات لا تطلق عليه الرخصة بالمعنى الأول، وإن أطلقت عليه بالمعنى الذي في هذا الفصل. "د".
٢ أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الأدب، باب من لم يواجه الناس بالعتاب، ١٠/ ٥١٣/ رقم ٦١٠١، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، ١٣/ ٢٧٦/ رقم ٧٣٠١" من حديث عائشة قالت: صنع النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا ترخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فخطب، فحمد الله، ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؛ فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية ".

<<  <  ج: ص:  >  >>