للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا؛ فَالْمُبَاحَاتُ مِنْهَا مَا هُوَ مَحْبُوبٌ١، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُبْغَضٌ؛ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ؛ فَلَا تَنَافِيَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ] ٢} [الْبَقَرَةِ: ١٨٥] ، وَمَا كَانَ نَحْوَهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الرُّخَصِ الْمُبَاحَةِ تَيْسِيرُ وَرَفْعُ حَرَجٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

أَنَّ الرُّخْصَةَ إِضَافِيَّةٌ لَا أَصْلِيَّةٌ، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ فِي الْأَخْذِ بِهَا فَقِيهُ نَفْسِهِ، مَا لَمْ يُحَدَّ فِيهَا حَدٌّ شَرْعِيٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا:

إِنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ الْمَشَقَّةُ٣، وَالْمَشَاقُّ تختلف بالقوة والضعف و٤ بحسب الْأَحْوَالِ، وَبِحَسَبِ قُوَّةِ الْعَزَائِمِ وَضَعْفِهَا، وَبِحَسَبَ الْأَزْمَانِ، وَبِحَسَبِ الْأَعْمَالِ؛ فَلَيْسَ سَفَرُ الْإِنْسَانِ رَاكِبًا مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي رِفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ، وَأَرْضٍ مَأْمُونَةٍ، وَعَلَى بُطْءٍ، وَفِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، وَقِصَرِ الْأَيَّامِ؛ كَالسَّفَرِ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ، وَكَذَلِكَ الصَّبْرُ٥ عَلَى شَدَائِدِ السَّفَرِ وَمَشَقَّاتِهِ يختلف؛ فرُبَّ


١ فلا يلزم من كونه محبوبا ألا يكون مباحا، وأن يكون مطلوبا كما هو مبنى الاعتراض. "د".
٢ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل و"ط".
٣ أسباب التخفيف في الشريعة حسبما دل عليه الاستقراء سبعة، وهي: المرض، والسفر، والنسيان، والإكراه، والجهل، والحرج، وعموم البلوى، والضعف المعنوي؛ كالأنوثة، والرقية، وجميعها تدور حول المشقة. "خ".
٤ لو حذفت الواو وجعل ما بعدها من الحيثيات أسبابا للقوة والضعف في المشقة؛ لكان أوجه. "د".
٥ ما قبله بيان لاختلاف المشقة قوة وضعفا باختلاف الأزمان والأحوال الخارجة عن صفات الشخص، وهذا بيان لاختلاف العزائم، ويصح أن يكون راجعا لاختلاف الأحوال بقطع النظر عن قوة الإرادة وضعفها، ويكون مرجعه التعود وعدمه ولا دخل لقوة العزيمة فيه. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>