للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: أَنْفِقْهَا أَنْتَ؛ فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِلْآخِرَةِ١.

بَلْ كَانَ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَعَاذَ مِنْهَا وَمِنْ طَلَبِهَا، وَالتَّشَوُّفِ إِلَيْهَا، كَمَا يُحْكَى٢ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْعَادَاتِ، مِنْ حَيْثُ شَاهَدَ خُرُوجَ الْجَمِيعِ مِنْ تَحْتِ يَدِ الْمِنَّةِ, وَوَارِدَةً مِنْ جِهَةِ مُجَرَّدِ الْإِنْعَامِ؛ فَالْعَادَةُ فِي نَظَرِ هَؤُلَاءِ خَوَارِقُ لِلْعَادَاتِ؛ فَكَيْفَ يَتَشَوَّفُ إِلَى خَارِقَةٍ، وَمِنْ٣ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ مِثْلُهَا، مَعَ أَنَّ مَا لَدَيْهِ مِنْهَا أَتَمُّ فِي تَحْقِيقِ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الشَّوَاهِدِ، وَعَدُّوا مَنْ رَكَنَ إِلَيْهَا مُسْتَدْرَجًا، مِنْ حَيْثُ كَانَتِ ابْتِلَاءً لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا آيَةً أَوْ نِعْمَةً.

حَكَى الْقُشَيْرِيُّ٤ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّرَفِيِّ؛ قَالَ: "كُنَّا مَعَ أَبِي تُرَابٍ النَّخْشَبِيِّ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَعَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَى نَاحِيَةٍ؛ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا٥: أَنَا عَطْشَانُ. فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ، فَإِذَا عَيْنُ مَاءٍ زُلَالٍ؛ فَقَالَ الْفَتَى: أُحِبُّ أَنْ أَشْرَبَهُ بِقَدَحٍ٦. فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ؛ فَنَاوَلَهُ قَدَحًا مِنْ زُجَاجٍ أَبْيَضَ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُ، فَشَرِبَ وَسَقَانَا، وَمَا زَالَ الْقَدَحُ مَعَنَا إِلَى مَكَّةَ؛ فَقَالَ لِي أَبُو تُرَابٍ يَوْمًا: مَا يَقُولُ أَصْحَابُكَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ؟ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يُؤْمِنُ بِهَا. فَقَالَ: مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا فَقَدْ كَفَرَ٧، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَحْوَالِ. فَقُلْتُ: مَا أَعْرِفُ لَهُمْ قَوْلًا فيه. فقال:


١ "الرسالة القشيرية" "ص١٧٠".
٢ "الرسالة القشيرية" "ص١٦٤".
٣ في "ط": "وما".
٤ في "الرسالة" "ص١٦٩".
٥ كذا في الأصل والنسخ الثلاث، وعند القشيري: "أصحابه".
٦ كذا في الأصل والنسخ الثلاث، وعند القشيري: "في قدح".
٧ لا يصح حمل الكفر على حقيقته؛ لأن المنكرين لخرق العادة على وجه الكرامة؛ كالمعتزلة، والإمام أبي إسحاق، والقشيري، والحليمي؛ هم من فرق الإسلام بإجماع. "خ".

<<  <  ج: ص:  >  >>