للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الْأَعْلَى: ١٦] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ تَفْضِيلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْضَ دُورِ الْأَنْصَارِ عَلَى بَعْضٍ تَنْقِيصًا بِالْمَفْضُولِ، وَلَوْ قُصِدَ ذَلِكَ، لَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الذَّمِّ مِنْهُ إِلَى الْمَدْحِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيثُ هَذَا الْمَعْنَى الْمُقَرَّرَ، فَإِنَّ فِي آخِرِهِ: فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ نَبِيَّ الله خير الأنصار، فجعلنا خيرا؟ فَقَالَ: "أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أنْ تَكُونُوا مَنِ الْأَخْيَارِ؟ "١، لَكِنَّ التَّقْدِيمَ فِي التَّرْتِيبِ يَقْتَضِي [رَفْعَ الْمَزِيَّةِ، وَلَا يَقْتَضِي] ٢ اتِّصَافَ الْمُؤَخَّرِ بِالضِّدِّ، لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا.

وَكَذَلِكَ يَجْرِي حُكْمُ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ، وَبَيْنَ الْأَنْوَاعِ، وَبَيْنَ الصِّفَاتِ، وَقَدْ قَالَ الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ} [البقرة: ٢٥٣] .


١ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب مناقب الأنصار، باب فضل دور الأنصار، ٧/ ١١٥/ رقم ٣٧٨٩، ٣٧٩٠، وباب منقبة سعد بن عبادة، ٧/ ١٢٦/ رقم ٣٨٠٧، وكتاب الأدب، باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ"، ١٠/ ٤٧١/ رقم ٦٠٥٣"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب في خير دور الأنصار رضي الله عنهم، ٤/ ١٩٤٩- ١٩٥٠/ رقم ٢٥١١"، عن أبي أسيد الساعدي.
قلت: هكذا الرواية في الأصول، وفي "صحيح البخاري" "٣٧٩١": "فجعلنا آخرا". وسعد هنا يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: "..... الخيار".
والخيار هكذا في الأصل و"ط".
وقلت: وعلق عليه في "خ": "وقعت المفاضلة بين الأنصار بحسب السبق في الإسلام وعلى قدر تفاوتهم في نصرة الدين وإعلاء كلمته، وكذلك نظر الشارع لا يعتد بوجه من الوجوه التي يذكرها الناس في قبيل الشرف سوى العمل الصالح، ولا سيما ما يكون له أثر في تخليص الجماعات من ظلمات الباطل ورفع شأنهم إلى مستوى الحرية والسيادة".
٢ ساقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>