للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} الْآيَةَ١ [الْمُؤْمِنُونَ: ٧١]

وَالثَّانِي:

مَا تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ٢ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَاصِلَةَ لِلْمُكَلَّفِ مَشُوبَةٌ بِالْمَضَارِّ عَادَةً، كَمَا أَنَّ الْمَضَارَّ مَحْفُوفَةٌ بِبَعْضِ الْمَنَافِعِ٣، كَمَا نَقُولُ: إِنَّ النُّفُوسَ مُحْتَرَمَةٌ مَحْفُوظَةٌ وَمَطْلُوبَةُ الْإِحْيَاءِ، بِحَيْثُ إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ إِحْيَائِهَا وَإِتْلَافِ الْمَالِ عَلَيْهَا، أَوْ إِتْلَافِهَا وَإِحْيَاءِ المال، كان إحياؤها أولى، فإن عرض إِحْيَاؤُهَا إِمَاتَةَ الدِّينِ، كَانَ إِحْيَاءُ الدِّينِ أَوْلَى وَإِنْ أَدَّى إِلَى إِمَاتَتِهَا، كَمَا جَاءَ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَمَا إِذَا عَارَضَ إِحْيَاءُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِمَاتَةَ نُفُوسٍ كَثِيرَةٍ فِي الْمُحَارِبِ مَثَلًا، كَانَ إِحْيَاءُ النُّفُوسِ الْكَثِيرَةِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ٤ إِذَا قُلْنَا: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ إِحْيَاءُ النُّفُوسِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ، مَعَ أَنَّ فِيهِ مِنَ الْمَشَاقِّ وَالْآلَامِ فِي تَحْصِيلِهِ ابْتِدَاءً وَفِي اسْتِعْمَالِهِ حَالًا وَفِي لَوَازِمِهِ وَتَوَابِعِهِ انْتِهَاءً كَثِيرًا.

وَمَعَ ذَلِكَ، فَالْمُعْتَبَرُ إِنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ الْأَعْظَمُ، وَهُوَ جِهَةُ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، لَا مِنْ حَيْثُ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ- حَتَّى إِنَّ الْعُقَلَاءَ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَا النَّوْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْ تَفَاصِيلِهَا قَبْلَ الشَّرْعِ مَا أَتَى بِهِ الشرع،


١ بقيتها أيضا فيه الدليل، فإنه تشنيع عليهم بأنهم أعرضوا عما فيه ذكرهم وشرفهم اتباعا لأهوائهم الباطلة. "د".
٢ مجرد هذا لا يفيد بعدما اعتبر سابقا أن ما غلبت فيه جهة المنفعة، فهو المصلحة، وما ترجحت فيه المضرة، فهو المفسدة، وأما قوله بعد: "وَمَعَ ذَلِكَ، فَالْمُعْتَبَرُ إِنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ الْأَعْظَمُ وهو جهة المصلحة....إلخ"، فهو دعوى أخرى خاصة لا يدل عليها ذلك العام المتقدم، ولذا قلنا: إنه يلزم لصحة الكلام تقييد ما سبق بهذا، فإذا كان محط الاستدلال هو أن العقلاء اتفقوا على أن المعتبر هُوَ الْأَمْرُ الْأَعْظَمُ، وَهُوَ جِهَةُ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هي عماد الدين والدنيا بقطع النظر عن أهواء النفوس، فذلك يصح أن يكون دليلا، لكن لا حاجة إلى توسيط المقدمات السالفة قبله. "د".
٣ في نسخة "ماء/ ص ١٣٠" بعدها: "وهو معني وعكس يتبع".
٤ بدلها في نسخة "ماء/ ص ١٣٠": "كما".

<<  <  ج: ص:  >  >>