للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِهَا بِإِطْلَاقٍ، بَلْ بِقُيُودٍ تَقَيَّدَتْ بها، حسبما دَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ فِي وَضْعِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

- وَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ١ قَالَ: "إِنَّ مَصَالِحَ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَمَفَاسِدَهَا لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ، فَتُعْرَفُ بِالضَّرُورَاتِ وَالتَّجَارِبِ وَالْعَادَاتِ وَالظُّنُونِ الْمُعْتَبَرَاتِ".

قَالَ: "وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ الْمُنَاسَبَاتِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، رَاجِحَهَا مِنْ مَرْجُوحِهَا، فَلْيَعْرِضْ ذَلِكَ عَلَى عَقْلِهِ٢ بِتَقْدِيرِ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ، فَلَا يَكَادُ حُكْمٌ مِنْهَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ، إِلَّا التَّعَبُّدَاتُ الَّتِي لَمْ يُوقَفْ عَلَى مَصَالِحِهَا أَوْ مَفَاسِدِهَا". هَذَا قَوْلُهُ.

وَفِيهِ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ نَظَرٌ، أَمَّا أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، فَكَمَا قَالَ: وَأَمَّا مَا قَالَ فِي الدُّنْيَوِيَّةِ، فَلَيْسَ كَمَا قَالَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِذَلِكَ لَمَّا جَاءَ الشَّرْعُ بَعْدَ زَمَانِ فَتْرَةٍ، تَبَيَّنَ بِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَتْرَةِ مِنِ انْحِرَافِ الْأَحْوَالِ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ مُقْتَضَى الْعَدْلِ فِي الْأَحْكَامِ.

وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ بِإِطْلَاقٍ، لَمْ يَحْتَجْ فِي الشَّرْعِ إِلَّا إِلَى بَثِّ مَصَالِحِ الدَّارِ الْآخِرَةِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِمَا يُقِيمُ أَمْرَ الدُّنْيَا وَأَمْرَ الْآخِرَةِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ بِإِقَامَةِ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ٣، فَلَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ كَوْنِهِ


١ هو العز بن عبد السلام، والمذكور قوله في "قواعد الأحكام" "١/ ١٠".
٢ أشبه بمذهب المعتزلة. "د".
٣ في الأصل: "الآخرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>