للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آيَةِ التَّنْزِيهِ، وَإِمَّا رَاجِعَةٌ إِلَى قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ، فَتَتَعَارَضُ أَحْكَامُهَا١، وَهَذَا خَاصٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى عَامٍّ٢ هُوَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا يُجَابُ عَنْهَا بِأَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا:

أَنَّهَا أُمُورٌ إِضَافِيَّةٌ لَمْ يُتَعَبَّدْ بِهَا أَوَّلَ الْأَمْرِ لِلْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ تَعْرِضُ لِمَنْ تَمَرَّنَ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَزَاوَلَ أَحْكَامَ التَّكْلِيفِ، وَامْتَازَ عَنِ الْجُمْهُورِ بِمَزِيدِ فَهْمٍ فِيهَا، حَتَّى زَايَلَ الْأُمِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ، فَصَارَ تَدْقِيقُهُ فِي الْأُمُورِ الْجَلِيلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَتَهُ، فَنِسْبَتُهُ إِلَى مَا فَهِمَهُ نِسْبَةُ الْعَامِّيِّ إِلَى مَا فَهِمَهُ، وَالنِّسْبَةُ إِذَا كَانَتْ مَحْفُوظَةً، فَلَا يَبْقَى تَعَارُضٌ٣ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ.

وَالثَّانِي:

أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَهْلَ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَرَاتِبَ لَيْسُوا فِيهَا عَلَى وِزَانٍ وَاحِدٍ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، كَمَا أَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ، فَلَيْسَ مَنْ لَهُ مَزِيدٌ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ كَمَنْ لَا مَزِيدَ لَهُ، لَكِنَّ الْجَمِيعَ جَارٍ عَلَى أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ.

وَالِاخْتِصَاصَاتُ فِيهَا هِبَاتٌ مِنَ اللَّهِ لَا تُخْرِجُ أَهْلَهَا عَنْ حُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، بَلْ يَدْخُلُونَ مَعَ غَيْرِهِمْ فِيهَا، وَيَمْتَازُونَ هُمْ بِزِيَادَاتٍ في ذلك الأمر المشترك.


١ أي أن المسألة تكون محتملة الدخول تحت قواعد شرعية مختلفة، فتتعارض أحكامها بحسب الظاهر، ويحصل الاشتباه. "د". وفي "ط": "تتعارض أحكامها".
٢ في "خ": "هام".
٣ كيف لا يعارض هذا ما قرره في نتيجة هذا الفصل من قوله آنفا: "وعلى هذا، فالتعمق في البحث في الشريعة وتطلب ما لا يشترك فيه الجمهور خروج عن مقتضى وضع الشريعة الأمية"، وهنا يقول: "إنها أمور إضافية"، و"إن تدقيق الذي يتمرن على علم الشريعة في الأمور الجليلة، وإن نسبة ما فهمه إلى ما يفهمه العامي نسبة محفوظة"، ولا يقال: إن ما قرره كان خاصا بالاعتقاديات، لأنا نقول: الجواب أصله عام في المتشابهات الاعتقادية وغيرها، كما يعلم من النظر في الاعتراض، وعلى كل حال، فهو هنا يثبت أن للخاصة أن تفهم وتدقق في الشريعة بما لا يناسب الجمهور ولا يشتركون فيه، وهل هذا إلا عين التسليم بالإشكال على ما سبق؟ "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>