للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ فِي الِاسْتِقْرَاءِ الْعَادِيِّ، فَكَانَ مَا كَانَ أَجْرَى بِالْمَصْلَحَةِ وَأَجْرَى عَلَى جِهَةِ التَّأْنِيسِ١، وَكَانَ أَكْثَرُهَا عَلَى أَسْبَابٍ وَاقِعَةٍ، فَكَانَتْ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ حِينَ صَارَتْ تَنْزِلُ بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ، وَكَانَتْ أَقْرَبَ إِلَى التَّأْنِيسِ حِينَ كَانَتْ تَنْزِلُ حُكْمًا حُكْمًا وَجُزْئِيَّةً جُزْئِيَّةً؛ لِأَنَّهَا إِذَا نَزَلَتْ كَذَلِكَ، لَمْ يَنْزِلْ حُكْمٌ إِلَّا وَالَّذِي قَبْلَهُ قَدْ صَارَ عَادَةً، وَاسْتَأْنَسَتْ بِهِ نَفْسُ الْمُكَلَّفِ الصَّائِمِ عَنِ التَّكْلِيفِ وَعَنِ الْعِلْمِ بِهِ رَأْسًا، فَإِذَا نَزَلَ الثَّانِي كَانَتِ النَّفْسُ أَقْرَبَ لِلِانْقِيَادِ لَهُ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ.

وَلِذَلِكَ أُونسوا فِي الِابْتِدَاءِ٢ بِأَنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا يُؤْنَسُ الطِّفْلُ فِي الْعَمَلِ بِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ أَبِيهِ، يَقُولُ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الْحَجِّ: ٧٨] .

{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِي} [النَّحْلِ: ١٢٣] .

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوه} [آلِ عِمْرَانَ: ٦٨] .

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ: فَلَوْ نَزَلَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَتَكَاثَرَتِ التَّكَالِيفُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَنْقَادَ إِلَيْهَا انْقِيَادَهُ إِلَى الحكم الواحد أو الاثنين.


١ في "خ": "التأنيث".
٢ ظاهر فيما كان من ذلك مكيا وسابقا، وأما ما كان مدنيا أو متأخرا كآية: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} ، فلا يظهر فيه قوله أونسوا في الابتداء، إلا أن يقال: إن مثله زيادة في التوكيد والتقرير كما هو شأن ما تكرر من المكيات في المدينة. "د".
قلت: والجملة في الأصل: "أنسوا في الابتداء"، وفي "ط": "ولذلك أيضا أُونسوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>