للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَسَاقِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عَبَسَ: ١-٢] حَيْثُ عُوتِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ [هَذَا] ١ الْعِتَابِ، لَكِنْ عَلَى حَالٍ٢، تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ الَّتِي شَأْنُهَا أَخَفُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المعاتَب، ثُمَّ رَجَعَ الْكَلَامُ إِلَى الْخِطَابِ، إِلَّا أَنَّهُ بِعِتَابٍ أخفَّ مِنَ الْأَوَّلِ٣، وَلِذَلِكَ خُتِمَتِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَة} [عَبَسَ: ١١] .

وَالْخَامِسُ:

الْأَدَبُ فِي تَرْكِ التَّنْصِيصِ عَلَى نِسْبَةِ الشَّرِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى٤، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْخَالِقَ لِكُلِّ شَيْءٍ، كَمَا قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} ..... [آلِ عِمْرَانَ: ٢٦] إِلَى قَوْلِهِ: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آلِ عِمْرَانَ: ٢٦] ، وَلَمْ يَقُلْ: "بِيَدِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ" وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ الْقِسْمَيْنِ مَعًا، لِأَنَّ نَزْعَ الْمُلْكِ وَالْإِذْلَالَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَحِقَ ذَلِكَ بِهِ شَرٌّ ظَاهِرٌ، نَعَمْ قَالَ فِي أَثَرِهِ: {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [آلِ عِمْرَانَ: ٢٦] تَنْبِيهًا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ خَلْقُهُ، حَتَّى جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ ليس إليك" ٥.


١ سقط من "ط".
٢ في "ط": "حالة".
٣ انظر: "روح المعاني" "٣٠/ ٣٩"، و"تفسير القرطبي" "١٩/ ٢١١"، و"فتح القدير" "٥/ ٣٨٢"، و"آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم في ضوء العصمة والاجتهاد" "ص٢٧٩-٢٨٧".
٤ انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "٨/ ٢٠٧-٢١١ و١٤/ ١٨-٢٨ و٢٩٩-٣٠٢"، و"الحسنة والسيئة" "ص١٩٠"، و"شفاء العليل" "ص١٧٨"، و"مدارج السالكين" "١/ ١٩٤"، و"شرح الطحاوية" "٢٨٢".
٥ أخرج البخاري في "الصحيح" كتاب الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج ٦/ ٣٨٢/ رقم ٣٣٤٨، وكتاب الرقاق، باب قوله عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} ١١/ ٣٨٨/ رقم ٦٥٣٠" عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: "يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك".
وأخرج مسلم في "صحيحه" "كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، ١/ ٥٣٤-٥٣٥/ رقم ٧٧١" عن علي مرفوعًا، "إنه كان إذا قام إلى الصلاة قال.... والخير كله فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>