للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا أَنَّ هُنَا وَجْهًا ثَالِثًا١، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ غَيْرَ مُعْتَادَةٍ، لَكِنَّهَا صَارَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ كَالْمُعْتَادَةِ، وَرُبَّ شَيْءٍ هَكَذَا، فَإِنَّ أَرْبَابَ الْأَحْوَالِ مِنَ العُبّاد وَالْمُنْقَطِعِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، الْمُعَانِينَ عَلَى بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي التَّكَالِيفِ قَدْ خُصوا بِهَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ، وَصَارُوا مُعانين عَلَى مَا انْقَطَعُوا إِلَيْهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [الْبَقَرَةِ: ٤٥] ، فَجَعَلَهَا كَبِيرَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَاسْتَثْنَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ كَانَ إِمَامَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الَّذِي كَانَتْ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ٢، حَتَّى كَانَ يَسْتَرِيحُ إِلَيْهَا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا٣، وَقَامَ حَتَّى تَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ٤، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمَنْ خُصّ بِوِرَاثَتِهِ فِي هَذَا النَّحْوِ نَالَ مِنْ بَرَكَةِ هَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ٥.

وَهَذَا الْقِسْمُ٦ يَسْتَدْعِي كَلَامًا يَكُونُ فِيهِ مَدُّ بَعْضِ نَفَسٍ، فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ مُغْفَلٌ قَلَّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ، مَعَ تَأَكُّدِهِ فِي أصول الشريعة.


١ هو بعض ما دخل في الثاني، فالمشقة غير معتادة، ويعلم أو يظن أنها لا تدخل فسادا، إلا أنها صارت بالنسبة له كأنها معتادة. "د".
٢ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وسيأتي تخريجه "ص٢٤٠"، وهو صحيح"
٣ كما سيأتي "ص٢٤٠".
٤ كما سيأتي "ص٢٤١".
٥ من أقبل على العبادة بيقين ساطع وجد فيها من الارتياح ما يود معه لو أن الحياة لا تطالبه بما يلفته عنها ولو لحظة، فليس العابد ببصيرة وضاءة كما يحسب أسارى الأهواء في ضائقة من حرج النفس واقتحام المكاره، بل هو في لذة لا تنقص عند من يذوق طعمها عن لذة إدراك المعارف السامية والحكمة الغامضة. "خ".
٦ أي: الثاني بنوعيه، وهو أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عليه في العمل به فساد في نفسه أو عقله..... إلخ، فقوله: "وَيَنْتَظِمُ تَحْتَ هَذَا الْمَعْنَى الْخَوْفُ مِنْ إِدْخَالِ الفساد عليه في جسمه أو عقله ... إلخ" لا ينافي أصل موضوع هذا القسم؛ لأن الخوف من ذلك أو من التقصير غير العلم أو الظن بحصول هذا الفساد...... إلخ، الذي جعله أول الوجهين في الفصل السابق، هذا وقد تكلم في هذا الفصل على الوجه الأول من وجهي رفع الحرج وهو الخوف من الانقطاع.....إلخ، وسيأتي في الفصل بعده تفصيل الوجه الثاني، وهو الخوف من التقصير عند المزاحمة.... إلخ، هذا باعتبار النظر في الموضع هنا، وسيأتي لنا في آخر المسألة مناقشة المؤلف في صنيعه فيها بوجه عام. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>