للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:

كَمَا أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَكُونُ دُنْيَوِيَّةً، كَذَلِكَ تَكُونُ أُخْرَوِيَّةً، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ إِذَا كَانَ الدُّخُولُ فِيهَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيلِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ، فَهُوَ أَشَدُّ مَشَقَّةً بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُخِلَّة بِدِينٍ، وَاعْتِبَارُ الدِّينِ مُقَدَّمٌ١ عَلَى اعْتِبَارِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ هُنَا٢، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ٣ فِي إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يُدْخَلُ٤ تَحْتَهَا هَذَا الْمَطْلَبُ مَا فيه كفاية.


١ أي: إن أصول الدين تقدم على اعتبار النفس والأعضاء، فإذا توقف حفظ الدين على المخاطرة بالنفس أو الأعضاء قدم الدين، ولذا وجب الجهاد لحفظ الدين وإن أدى إلى ضياع كثير من النفوس، أما غير أصول الدين، فأنت تعلم أن الأمر فيها غير ذلك، فكثيرا ما يسقط الشارع واجبات دينية محافظة على النفس حتى من نحو المرض، وحينئذ، فليس اعتبار الأمور الدينية مقدما على النفس ولا على المال في كل شيء، والمقام يحتاج إلى بسط أوفى من هذا، ولذا قال صاحب "التحرير" في موضوع الضروريات الخمس: "إن حفظ الدين يكون بوجوب الجهاد، وعقوبة الداعي إلى البدع"، فلا شك أن هذا فيما يتعلق بأصول الدين، وسيأتي في المسألة العاشرة ما يحتاج فيه إلى الترجيح بين مصلحتين قد تكون إحداهما دينية والأخرى دنيوية، فلو كانت الدينية تقدم مطلقا ما كان هناك حاجة إلى الترجيح المذكور. "د".
٢ أي: فالمشقة الدينية مقدمة في الاعتبار على الدنيوية. "د".
٣ أي: فمع كونه يقدم ما فيه حفظ الدين -مع كونه مشقته أعظم- على ذي المشقة الدنيوية الصرفة، فإنه لا يقصد إدخال هذه المشقة على المكلف، ولكنها جاءت في طريق حفظ الدين غير مقصودة. "د".
٤ لأنه داخل في عموم المشقة التي برهن على أن الشارع لم يقصدها في التكليف مطلقا، وإن جاءت في طريق امتثال التكليف. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>